غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

41

ثم أكد وعيد الكفار بقوله : { إن الذين كفروا بآياتنا } ويدخل فيها كل ما يدل على ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وملائكته والكتب والرسل .

وكفرهم بها أن ينكروا كونها آيات أو يغفلوا عنها ولا ينظروا فيها ، أو يلقوا الشكوك والشبهات فيها ، أو ينكروها مع العلم بها عناداً وحسداً وبغياً ولدداً . وههنا سؤال وهو أنه تعالى قادر على إبقائهم في النار أحياء معذبين من غير أن تحترق جلودهم ، فما الحكمة في إنضاج جلودهم ؟ والجواب لا يسأل عما يفعل كما أنه قادر على إيصال الآلام إليهم من غير إدخالهم النار مع أنه لا يمكن أن يقال لم عذبهم بإدخالهم النار . وسؤال آخر وهو أنه كيف يعذب مكان الجلود العاصية جلوداً لم تعص ؟ والجواب يجعل النضيج غير نضيج ، فالذات واحدة والمتبدل هو الصفة ويؤيده قول أهل اللغة : تبديل الشيء تغييره وإن لم يأت ببدله ، وأبدلت الشيء غيرته ، فالتبديل تغيير الصفة أو الذات . والإبدال تغيير الذات . وصاحب الكشاف جزم بأن المراد من هذا التبديل هو تغيير الذات فلهذا فسر التبديل بالإبدال ، ولعله إنما حمله على ذلك وصف الجلود بقوله : { غيرها } ولقائل أن يقول : المغايرة أعم من أن تكون في الذات أو في الصفات ، فما أدراك أنها في الآية مغايرة الذات لا الصفات اللهم إلا أن يعضده نقل صحيح فيكون الجواب . عن السؤال أن المعذب هو الإنسان ، والجلد ليس جزءاً من ماهيته وإنما هو سبب لوصول العذاب إليه . أو يقال : المراد الدوام وعدم الانقطاع ، ولا نضج ولا احتراق أي كلما ظنوا أنهم احترقوا وأشرفوا على الهلاك أعطيناهم قوة جديدة بحيث ظنوا أنهم الآن حدثوا ووجدوا . وقال السدي : يخرج من لحم الكافر جلد آخر وفي هذا التأويل بعد لأن لحمه متناه فعند نفاده لا بد من طريق آخر في تبديل الجلد فيعود أول السؤال . وقيل : المراد بالجلود السرابيل { سرابيلهم من قطران }[ إبراهيم :50 ] وضعف بأنه ترك للظاهر وأن السرابيل لا توصف بالنضج { ليذوقوا العذاب } ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز : أعزك الله أي أدامك على عزك وزادك فيه ، أو ليذوقوا بهذه الحالة الجديدة العذاب . والمراد بالذوق أن إحساسهم بذلك العذاب في كل حال يكون كإحساس الذائق بالمذوق { إنّ الله كان عزيزاً } لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين { حكيماً } لا يفعل إلاّ الصواب

/خ57