لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

قوله عز وجل { والأنعام خلقها } لما ذكر الله سبحانه وتعالى أنه خلق السموات والأرض ، ثم أتبعه بذكر خلق الإنسان ، ذكر بعده ما ينتفع به في سائر ضروراته . ولما كان أعظم ضرورات الإنسان إلى الأكل واللباس اللذين يقوم بهما بدن الإنسان بدأ بذكر الحيوان المنتفع به في ذلك ، وهو الأنعام . فقال تعالى { والأنعام خلقها } وهي الإبل والبقر والغنم . قال الواحدي : تم الكلام عند قوله والأنعام خلقها . ثم ابتدأ فقال تعالى { لكم فيها دفء } قال : ويجوز أيضاً أن يكون تمام الكلام عند قوله لكم ثم ابتدأ فقال تعالى : فيها دفء . قال صاحب النظم أحسن الوجهين أن يكون الوقف عند قوله خلقها ثم يبتدأ بقوله لكم فيها دفء ، والدليل عليه أنه عطف عليه قوله ، ولكم فيها جمال والتقدير لكم فيها دفء ولكم فيها جمال . ولما كانت منافع هذه الأنعام منها ضرورية ، ومنها غير ضرورية ، بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر المنافع الضرورية ، فقال تعالى : لكم فيها دفء وهو ما يُستدفأ به من اللباس والأكسية ونحوها ، المتخذة من الأصواف والأوبار والأشعار الحاصلة من النعم { ومنافع } يعني النسل والدر والركوب ، والحمل عليها وسائر ما ينتفع به من الأنعام { ومنها تأكلون } يعني من لحومها . فإن قلت : قوله تعالى { ومنها تأكلون } يفيد الحصر لأن تقديم الظرف مؤذن بالاختصاص ، وقد يؤكل من غيرها . قلت : الأكل من هذه الأنعام هو الذي يعتمده الناس في معايشهم وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط والإوز وصيد البر والبحر ، فغير معتد به في الأغلب : وأكله يجري مجرى التفكه به فخرج ومنها تأكلون مخرج الأغلب في الأكل من هذه الأنعام . فإن قلت : منفعة الأكل مقدمة على منفعة اللباس فلم أخر منفعة الأكل وقدم منفعة اللباس ؟ قلت : منفعة اللباس أكثر وأعظم من منفعة الأكل فلهذا قدم على الأكل .