قوله عز وجل : { والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً } اختلفت عبارات المفسرين في هذه الكلمات هل هي صفات لشيء واحد أو لأشياء مختلفة على أوجه واتفقوا على أن المراد بقوله { فالمدبرات أمراً } وصف لشيء واحد وهم الملائكة :
الوجه الأول : في قوله تعالى : { والنازعات غرقاً } يعني الملائكة تنزع أرواح الكفار من أقاصي أجسامهم . كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد ، والغرق من الإغراق أي ، والنازعات إغراقاً وقال ابن مسعود : " إن ملك الموت ، وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل ، فتخرج نفس الكافر كالغريق في الماء " { والناشطات نشطاً } الملائكة تنشط نفس المؤمن أي تسلها سلاًّ رفيقاً فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير ، وإنما خص النزع بنفس الكافر والنشط بنفس المؤمن ، لأن بينهما فرقاً فالنزع جذب بشدة والنشط جذب برفق ، { والسابحات سبحاً }[ النازعات : 3 ] يعني الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلاً رفيقاً ، ثم يدعونها حتى تستريح ، ثم يستخرجونها كالسابح في الماء يتحرك فيه برفق ولطافة ، وقيل هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد إذا أسرع في
جريه . يقال له سابح { فالسابقات سبقاً } [ النازعات : 4 ] يعني الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح ، وقيل هم الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة .
الوجه الثاني : في قوله { والنازعات غرقاً } يعني النفس حين تنزع من الجسد ، فتغرق في الصدر ثم تخرج { والناشطات نشطاً } ، قال ابن عباس : هي نفوس المؤمنين تنشط للخروج عند الموت لما ترى من الكرامة ، وذلك لأنه يعرض عليه مقعده في الجنة قبل أن يموت وقال علي بن أبي طالب : هي أرواح الكفار تنشط بين الجلد ، والأظفار حتى تخرج من أفواههم بالكرب والغم .
{ والسابحات سبحاً } يعني أرواح المؤمنين حين تسبح في الملكوت { فالسابقات سبقاً } يعني استباقها إلى الحضرة المقدسة .
الوجه الثالث : في قوله تعالى :{ والنّازعات غرقاً }[ النازعات : 1 ] يعني النجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب{ والناشطات نشطاً }[ النازعات : 2 ] ، يعني النجوم تنشط من أفق إلى أفق ، أي تذهب { والسابحات سبحاً } ، يعني النجوم والشمس والقمر يسبحون في الفلك . { فالسابقات سبقاً } يعني النجوم يسبق بعضها بعضاً في السير .
الوجه الرابع : في قوله تعالى{ والنّازعات غرقاً }[ النازعات : 1 ] . يعني خيل الغزاة تنزع في أعنتها وتغرق في عرقها وهي الناشطات نشطاً لأنها تخرج بسرعة إلى ميدانها ، وهي السابحات في جريها ، وهي السابقات سبقاً لاستباقها إلى الغاية .
الوجه الخامس : في قوله{ والنازعات غرقاً }[ النازعات : 1 ] يعني الغزاة حين تنزع قسيها في الرمي فتبلغ غاية المد وهو قوله غرقاً ، { والناشطات نشطاً }[ النازعات : 2 ] ، أي السّهام في الرمي { والسّابحات سبحاً ، فالسّابقات سبقاً } يعني الخيل والإبل حين يخرجها أصحابها إلى الغزو .
الوجه السادس : ليس المراد بهذه الكلمات شيئاً واحداً ، فقوله والنازعات يعني ملك الموت ينزع النفوس غرقاً حتى بلغ بها الغاية ، { والناشطات نشطاً }[ النازعات : 2 ] يعني النفس تنشط من القدمين بمعنى تجذب ، { والسابحات سبحاً } يعني السفن ، { والسابقات سبقاً } يعني مسابقة نفوس المؤمنين إلى الخيرات والطاعات .
أما قوله : { فالمدبرات أمراً } ، فأجمعوا على أنهم الملائكة قال ابن عباس : هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم الله عز وجل : العمل بها وقال عبد الرّحمن بن سابط يدبر الأمر في الدنيا أربعة أملاك جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، واسمه عزرائيل ، فأما جبريل فموكل بالرّياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنّبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس ، وأما إسرافيل فهو ينزل عليهم بالأمر من الله تعالى أقسم الله بهذه الأشياء لشرفها ، ولله أن يقسم بما يشاء من خلقه ، أو يكون التقدير ، ورب هذه الأشياء ، وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن ، ولتحاسبن ، وقيل جوابه{ إن في ذلك لعبرة لمن يخشى }[ النازعات : 26 ] وقيل هو قوله : { قلوب يومئذ واجفة . . . } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.