صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

{ تعرج الملائكة والروح إليه } أي تصعد الملائكة وجبريل عليه السلام إليه تعالى . ومعظم السلف على أنه من المتشابه ، مع تنزيه تعالى عن المكان والجسمية ، ولوازم الحدوث التي لا تليق بشأن الألوهية . وقيل : معنى " إليه " إلى عرشه . أو إلى محل بره وكرامته . { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } بيان لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على سبيل التمثيل . أي أنها من الارتفاع بحيث لو قدر قطعها في زمان لكان ذلك الزمان مقدار خمسين ألف سنة من سني الدنيا . أو بيان لسرعة العروج ؛ أي أنهم يقطعون فيه في يوم من أيامكم ما يقطعه الإنسان في

خمسين ألف سنة لو فرض سيره فيها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

{ تعرج الملائكة } قرأ الكسائي يعرج بالياء ، وهي قراءة ابن مسعود ، وقرأ الآخرون تعرج بالتاء ، { والروح } يعني جبريل عليه السلام ، { إليه } يعني إلى الله عز وجل ، { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } من سني الدنيا لو صعد غير الملك من بني آدم من منتهى أمر الله تعالى من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمر الله تعالى من فوق السماء السابعة لما صعد في أقل من خمسين ألف سنة . والملك يقطع ذلك كله في ساعة واحدة . روى ليث عن مجاهد أن مقدار هذا خمسين ألف سنة . وقال محمد بن إسحاق : لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش لساروا خمسين ألف سنة . وقال عكرمة وقتادة : هو يوم القيامة . وقال الحسن أيضاً : هو يوم القيامة . وأراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا ، ليس يعني به مقدار طوله هذا دون غيره ، لأن يوم القيامة له أول وليس له آخر لأنه يوم ممدود ، ولو كان له آخر لكان منقطعاً . وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : هو يوم القيامة يكون على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة . أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أنبأنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي ، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، حدثنا عبد الله بن سعيد ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، عن دارج أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : " قيل : لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة : فما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " . وقيل : معناه لو ولي محاسبة العباد في ذلك اليوم غير الله لم يفرغ منه خمسين ألف سنة . وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس ومقاتل . قال عطاء : ويفرغ الله منه في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا . وروى محمد بن الفضل عن الكلبي قال : يقول لو وليت حساب ذلك اليوم الملائكة والجن والإنس وطوقتهم محاسبتهم لم يفرغوا منه في خمسين ألف سنة ، وأنا أفرغ منها في ساعة واحدة من النهار . وقال يمان : هو يوم القيامة ، فيه خمسون موطناً ، كل موطن ألف سنة . وفيه تقديم وتأخير كأنه قال : ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

قوله تعالى : " تعرج الملائكة والروح " أي تصعد في المعارج التي جعلها الله لهم . وقرأ ابن مسعود وأصحابه والسلمي والكسائي " يعرج " بالياء على إرادة الجمع ، ولقوله : اذكروا الملائكة ولا تؤنثوهم . وقرأ الباقون بالتاء على إرادة الجماعة . " والروح " جبريل عليه السلام ، قاله ابن عباس . دليله قوله تعالى : " نزل به الروح الأمين{[15337]} " [ الشعراء : 193 ] . وقيل : هو ملك آخر عظيم الخلقة . وقال أبو صالح : إنه خلق من خلق الله كهيئة الناس وليس بالناس . قال قبيصة بن ذؤيب : إنه روح الميت حين يقبض .

" إليه " أي إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء ؛ لأنها محل بره وكرامته . وقيل : هو كقول إبراهيم " إني ذاهب إلى ربي{[15338]} " [ الصافات : 99 ] . أي إلى الموضع الذي أمرني به . وقيل : " إليه " أي إلى عرشه . " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " قال وهب والكلبي ومحمد بن إسحاق : أي عروج الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة . وقال وهب أيضا : ما بين أسفل الأرض إلى العرش مسيرة خمسين ألف سنة . وهو قول مجاهد . وجمع بين هذه الآية وبين قوله : " في يوم كان مقداره ألف سنة " في سورة السجدة{[15339]} ، فقال : " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " من منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات خمسون ألف سنة . وقوله تعالى في ( آلم تنزيل ) : " في يوم كان مقداره ألف سنة " [ السجدة : 5 ] يعني بذلك نزول الأمر من سماء الدنيا إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقدار ألف سنة لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام . وعن مجاهد أيضا والحكم وعكرمة : هو مدة عمر الدنيا من أول ما خلقت إلى آخر ما بقي خمسون ألف سنة . لا يدري أحدكم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل . وقيل : المراد يوم القيامة ، أي مقدار الحكم فيه لو تولاه مخلوق خمسون ألف سنة ، قاله عكرمة أيضا والكلبي ومحمد بن كعب . يقول سبحانه وتعالى وأنا أفرغ منه في ساعة . وقال الحسن : هو يوم القيامة ، ولكن يوم القيامة لا نفاد له فالمراد ذكر موقفهم للحساب فهو في خمسين ألف سنة من سني الدنيا ، ثم حينئذ يستقر أهل الدارين في الدارين . وقال يمان : هو يوم القيامة ، فيه خمسون موطنا كل موطن ألف سنة . وقال ابن عباس : هو يوم القيامة ، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ، ثم يدخلون النار للاستقرار .

قلت : وهذا القول أحسن ما قيل في الآية إن شاء الله ، بدليل ما رواه قاسم بن أصبغ من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " . فقلت : ما أطول هذا ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا ) . واستدل النحاس على صحة هذا القول بما رواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما من رجل لم يؤد زكاة ماله إلا جُعِلَ شجاعاً{[15340]} من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس ) . قال : فهذا يدل على أنه يوم القيامة . وقال إبراهيم التيمي : ما قدر ذلك اليوم على المؤمن إلا قدر ما بين الظهر والعصر . وروي هذا المعنى مرفوعا من حديث معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يحاسبكم الله تعالى بمقدار ما بين الصلاتين ولذلك سمى نفسه سريع الحساب وأسرع الحاسبين ) . ذكره الماوردي . وقيل : بل يكون الفراغ لنصف يوم ، كقوله تعالى : " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا{[15341]} " [ الفرقان : 24 ] . وهذا على قدر فهم الخلائق ، وإلا فلا يشغله شأن عن شأن . وكما يرزقهم في ساعة كذا يحاسبهم في لحظة ، قال الله تعالى : " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة{[15342]} " [ لقمان : 28 ] . وعن ابن عباس أيضا أنه سماها هذه الآية وعن قوله تعالى : " في يوم كان مقداره ألف سنة " [ السجدة : 5 ] فقال : أيام سماها الله عز وجل هو أعلم بها كيف تكون ، وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم . وقيل : معنى ذكر خمسين ألف سنة تمثيل ، وهو تعريف طول مدة القيامة في الموقف ، وما يلقى الناس فيه من الشدائد . والعرب تصف أيام الشدة بالطول ، وأيام الفرح بالقصر ، قال الشاعر :

ويومٍ كظلِّ الرُّمْحِ قَصَّر طولَه *** دمُ الزِّقِّ عنَّا واصْطِفَاقُ المَزَاهِرِ{[15343]}

وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له من الله دافع ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه . وهذا القول هو معنى ما اخترناه ، والموفق الإله .


[15337]:راجع جـ 13 ص 138.
[15338]:راجع جـ 15 ص 97.
[15339]:راجع جـ 14 ص 86.
[15340]:الشجاع (بالضم والكسر): الحية الذكر.
[15341]:راجع جـ 13 ص 22.
[15342]:راجع جـ 14 ص 78.
[15343]:قال ابن بري: نسب الجوهري هذا البيت ليزيد بن الطثرية، وصوابه لشبرمة بن الطفيل. (انظر لسان العرب مادة صفق). والزق: وعاء من جلد. ويريد بدم الزق الخمر. والمزاهر: العيدان. واصطفقت المزاهر: جاوب بعضها بعضا.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

{ والروح إليه } أي : إلى عرشه ومن حيث تهبط أوامره وقضاياه فالعروج هو من الأرض إلى العرش والروح هنا جبريل عليه السلام بدليل قوله : { نزل به الروح الأمين على قلبك } [ الشعراء : 193- 194 ] وقيل : الروح ملائكة حفظة على الملائكة وهذا ضعيف مفتقر إلى صحة نقل وقيل : الروح جنس أرواح الناس وغيرهم .

{ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } اختلف في هذا اليوم على قولين :

أحدهما : أنه يوم القيامة .

والآخر : أنه في الدنيا ، والصحيح أنه يوم القيامة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مانع الزكاة : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له صفائح من نار يكوى بها جبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " . حتى يقضي بين العباد يعني : يوم القيامة ثم اختلف هل مقداره خمسون ألف سنة حقيقة وهذا هو الأظهر أو هل وصف بذلك لشدة أهواله كما يقال : يوم طويل إذا كان فيه مصائب وهموم وإذا قلنا إنه في الدنيا فالمعنى : أن الملائكة والروح يعرجون في يوم لو عرج فيه الناس لعرجوا في خمسين ألف سنة وقيل : الخمسون ألف سنة هي مدة الدنيا والملائكة تعرج وتنزل في هذه المرة وهذا كله على أن يكون قوله : { في يوم } يتعلق بتعرج ويحتمل أن يكون في يوم صفة للعذاب فيتعين أن يكون اليوم يوم القيامة والمعنى على هذا مستقيم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

ودل على ما دلت عليه الكثرة مع الدلالة على عجيب القدرة في تخفيفها على الملائكة بقوله : { تعرج الملائكة } أي وهم أشد الخلق وأقدره{[68275]} على اختراق الطباق ، والإسراع في النفوذ حتى يكونوا أعظم من لمح البرق{[68276]} الخفاق { والروح } أي جبريل عليه السلام ، خصه{[68277]} تعظيماً له ، أو هو خلق هو أعظم من{[68278]} الملائكة ، وقيل : روح العبد المؤمن إذا قبض { إليه } أي محل مناجاته ومنتهى ما يمكن من العلو لمخلوقاته ، وعلق بالعروج{[68279]} أو بواقع قوله : { في يوم } أي من أيامكم ، وبين عظمته بقوله ( كان ) أي كونا هو في غاية الثبات ( مقداره ) أي لو كان الصاعد فيه آدمياً { خمسين ألف } وبين المشقة في صعوده أو الكون فيه إن أريد القيامة بأن قال : { سنة * } ولم يقل : عاماً - مثلاً ، ويجوز أن يكون هذا اليوم ظرفاً للعذاب فيكون المراد به يوم القيامة ، وأن يكون طوله على الكافر باعتبار ما يلحقه من الغم لشدة المخاوف عليه لأنه{[68280]} ورد أنه يخفف على المؤمن حتى يكون بمقدار صلاة واحدة - انتهى .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما{[68281]} أن المعنى أنه{[68282]} لو ولي الحساب غير الله لم يفرغ منه إلا في هذا المقدار ، ويفرغ منه هو سبحانه في نصف يوم من أيام الدنيا ، وقال مجاهد والحكم وعكرمة : هو عمر الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحدكم مضى وكم بقي إلا الله ، وقد مضى في سورة { ألم السجدة } ما ينفع ههنا .


[68275]:- من ظ وم، وفي الأصل: أقدرهم.
[68276]:- زيدت الواو، الأصل، ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[68277]:- زيد من ظ وم.
[68278]:-زيد من ظ وم.
[68279]:- من ظ وم، وفي الأصل: العروج.
[68280]:- في ظ وم: فإنه.
[68281]:-راجع المعالم 7/ 124.
[68282]:- زيد من ظ وم.