نزلت بمكة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ، وهو بغار في منى يعرف بغار المرسلات .
وقد شدد فيها النكير علة منكري البعث ، والتهديد لهم بالويل والهلاك . وأقيم لهم من الأدلة ما يحمل إنكارهم له في حيز المكابرة والعناد . وهي من أقوى السور صدعا لقلوبهم ، وإنذارا بسوء عاقبتهم .
وقد أقسم الله تعالى في صدرها على أن الساعة آتية ، والبعث واقع لا محالة – بخمسة أشياء عظيمة من خلقه ، ذكرت صفاتها ولم تذكر هي ؛ فاختلف المفسرون في تعيينها اختلافا كثيرا . والظاهر : أن المقسم به شيئان ، فصل بينهما بالعطف بالواو المشعر بالمغايرة . وأنه تعالى أقسم أولا بالرياح المرسلة لعذاب المكذبين ، أو المرسلة لما يأمرها به سبحانه ، ومنه عذابهم ؛ من الإرسال وهو التسليط والتوجيه . ووصفها بالعصف وهو الشدة ؛ لإهلاكها من ترسل إليهم ، أو لسرعتها في مضيها لتنفيذ أمره تعالى . يقال : عصفت الريح – من باب ضرب – اشتدت . وعصفت الحرب بالقوم إذا ذهبت بهم . وناقة عصوف : تعصف براكبها فتمضي به كأنها ريح في السرعة . والعطف بالفاء هنا يؤذن بأنه من عطف الصفات . وأقسم ثانيا بالملائكة ، وهي من أعظم خلق الله قوة ، طوعا لأمره ، وإسراعا إليه . فوصفها بالناشرات ؛ لنشرهن أجنحتهن في الجو لنزولهن بالوحي . أو لنشرهن النفوس الموتى بالكفر ولجهل بما يوحين للأنبياء والرسل . وبالفارقات ؛ لفرقهن بين الحق والباطل بنزولهن بالوحي . وبالملقيات ذكرا ؛ لإلقائهن الذكر إلى الأنبياء والرسل ليبلغوه للأمم للإعذار والإنذار . ومن المفسرين من جعل الأوصاف الخمسة للرياح ومنهم من جعلها كلها للملائكة ، ومنهم من غاير بينها .
{ عرفا } متتابعة متلاحقة حين إرسالها . يقال : طار القطا عرفا عرفا ؛ أي بعضها خلف بعض ، والمعنى على التشبيه . أي حال كونها في تتابعها وتلاحقها كعرف الفرس ونحوها ، وهو منبت الشعر والريش من العنق .
/سورة المرسلات{[1]} وتسمى العرف
مقصودها الدلالة على [ آخر-{[2]} ]الإنسان من إثابة الشاكرين بالنعيم ، وإصابة الكافرين بعذاب الجحيم ، في يوم الفصل بعد جمع الأجساد وإحياء{[3]} العباد بعد طي هذا الوجود وتغيير العالم المعهود بما له سبحانه من القدرة على إنبات النبات وإنشاء الأقوات وإنزال العلوم وإيساع الفهوم لإحياء الأرواح{[4]} وإسعاد الأشباح بأسباب خفية وعلل مرئية وغير مرئية ، وتطوير الإنسان في أطوار الأسنان ، وإيداع الإيمان فيما يرضى من الأبدان ، وإيجاد الكفران في أهل الخيبة والخسران ، مع اشتراك الكل في أساليب هذا القرآن ، الذي عجز الإنس والجان ، عن الإتيان بمثل آية [ منه-{[5]} ] على كثرتهم وتطاول الزمان ، واسمها المرسلات و[ كذا-{[6]} ] العرف واضح الدلالة على ذلك لمن تدبر الأقسام ، وتذكر ما دلت عليه من معاني الكلام { بسم الله }{[7]} الذي له القدرة التامة على ما يريد { الرحمن } الذي له عموم الإنعام على سائر العبيد { الرحيم* } الذي خص أهل رضوانه بإتمام ذلك الإنعام وعنده المزيد .
لما ختمت سورة الإنسان بالوعد لأوليائه والوعيد لأعدائه ، وكان الكفار يكذبون بذلك ، افتتح هذه بالإقسام على أن ذلك كائن فقال : { والمرسلات } أي من الرياح{[70823]} والملائكة { عرفاً * } أي لأجل إلقاء المعروف من القرآن{[70824]} والسنة وغير ذلك من الإحسان ، ومن إلقاء الروح والبركة وتيسير الأمور في الأقوات{[70825]} وغيرها ، أو حال كونها متتابعة متكاثرة بعضها في أثر بعض ، من قول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد - إذا توجهوا إليه فأكثروا ، ويقال : جاؤوا عرفاً واحداً ، وهم عليه كعرف الضبع{[70826]} - إذا تألبوا عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.