صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

{ وجعل فيها رواسي } جبالا ثوابت{ من فوقها } لئلا تميد وتضطرب{ وبارك فيها } جعلها مباركة قابلة للخير ؛ كالإنبات وإخراج ما ينفع الناس . { وقدر فيها أقواتها } جعل أقوات أهلها التي يحتاجون إليها في معايشهم على مقادير معينة ؛ بحيث جعل في كل قطر ما يناسب أهله ؛ ليكون الناس محتاجا بعضهم إلى بعض فيما يرتفقون به . وهو سبب عمارة الأرض ونظام العالم . { في أربعة أيام } أي خلق ما في الأرض في تمام أربعة أيام{ سواء } مستوية كاملة . مصدر مؤكد لمضمر هو صف ل " أيام " ، أي استوت ساء أي استواء ؛ وقيدت به لدفع توهم التجوز بإطلاقها على ما دونها بقليل . { للسائلين } أي قدر فيها أقواتها لأجل الطالبين لها ، المحتاجين إليها من المقتاتين . فمدة خلق كل من الأرض وما فيها مقدار يومين ، وتمام المدتين أربعة أيام كاملة .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

الرواسي : الجبال الثابتة الرواسخ .

أقواتها : أقواتَ أهلها .

سواء : كاملة لا نقصان فيها ولا زيادة .

وجعل في الأرض جبالاً ثابتة من فوقها لئلا تَميدَ بكم ، وجعلَها مباركة كثيرة الخيرات ، وقدر فيها أرزاقَ أهلِها حسبما تقتضيه حكمته ، كل ذلك في أربعة أيام متكاملة .

وقد جاء في القرآن الكريم ذكر اليوم والأيام ، ففي سورة الحج { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [ الحج : 47 ] . وفي سورة السجدة الآية 5 { يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السمآء إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } وفي سورة المعارج الآية 4 { تَعْرُجُ الملائكة والروح إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . } إن هذا اليوم الذي نعيش فيه ونعرفه مرتبطٌ بالأرض ودورانها حول نفسها ، فإذا خرجنا من منطقة الأرض إلى الفضاء الواسع الفسيح اختلفت المقاييس ، ولم يعدْ للزمن حدود ، وإن سَنَتَنا 365 يوما ، بينما سنة عطارد وهو أقرب الكواكب إلى الشمس 88 يوما فقط حسب دورته حول الشمس ، وإن أبعد الكواكب وهو بلوتو تقدّر سنته بنحو 250 سنة ، لأنه يتم دورة واحدة بهذا الزمن ، وهكذا فان الزمن نسبي . إن أيام الله هو يعلم مداها ، ولا شك بأنها أطول بكثير من أيام الأرض المعروفة .

قراءات :

قرأ يعقوب : سواءٍ بالجر . والباقون سواءً بالنصب .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

" وجعل فيها " أي في الأرض " رواسي من فوقها " يعني الجبال . وقال وهب : لما خلق الله الأرض مادت على وجه الماء ، فقال لجبريل ثبتها يا جبريل . فنزل فأمسكها فغلبته الرياح ، قال : يا رب أنت أعلم لقد غلبت فيها فثبتها بالجبال وأرساها " وبارك فيها " بما خلق فيها من المنافع . قال السدي : أنبت فيها شجرها . " وقدر فيها أقواتها " قال السدي والحسن : أرزاق أهلها ومصالحهم . وقال قتادة ومجاهد : خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها في يوم الثلاثاء والأربعاء . وقال عكرمة والضحاك : معنى " قدر فيها أقواتها " أي أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلى بلد . قال عكرمة : حتى إنه في بعض البلاد ليتبايعون الذهب بالملح مثلا بمثل . وقال مجاهد والضحاك : السابري من سابور ، والطيالسة من الري ، والحبر اليمانية من اليمن . " في أربعة أيام " يعني في تتمة أربعة أيام . ومثاله قول القائل : خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما ، أي في تتمة خمسة عشر يوما . قال معناه ابن الأنباري وغيره . " سواء للسائلين " قال الحسن : المعنى في أربعة أيام مستوية تامة . الفراء : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين . واختاره الطبري . وقرأ الحسن البصري ويعقوب الحضرمي " سواء للسائلين " بالجر وعن ابن القعقاع " سواء " بالرفع ، فالنصب على المصدر و " سواء " بمعنى استواء أي استوت استواء . وقيل : على الحال والقطع ، والجر على النعت لأيام أو لأربعة أي " في أربعة أيام " مستوية تامة . والرفع على الابتداء والخبر " للسائلين " أو على تقدير هذه " سواء للسائلين " . وقال أهل المعاني : معنى " سواء للسائلين " ولغير السائلين ، أي خلق الأرض وما فيها لمن سأل ولمن لم يسأل ، ويعطي من سأل ومن لا يسأل .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

{ رواسي } يعني : الجبال .

{ وبارك فيها } أكثر خيرها .

{ وقدر فيها أقواتها } أي : أرزاق أهلها ومعاشهم وقيل : يعني أقوات الأرض من المعادن وغيرها من الأشياء التي بها قوام الأرض والأول أظهر .

{ في أربعة أيام } يريد أن الأربعة كملت باليومين الأولين فخلق الأرض في يومين وجعل فيها ما ذكر في يومين ، فتلك أربعة أيام وخلق السموات في يومين فتلك ستة أيام حسبما ذكر في مواضع كثيرة ولو كانت هذه الأربعة الأيام زيادة على اليومين المذكورين قبلها لكانت الجملة ثمانية أيام بخلاف ما ذكر في المواضع الكثيرة .

{ سواء } بالنصب مصدر تقديره استوت استواء قاله الزمخشري : وقال ابن عطية : انتصب على الحال .

{ للسائلين } قيل : معناه : لمن سأل عن أمرها وقيل : معناه للطالبين لها ، ويعني : بالطلب على هذا حاجة الخلق إليها ، وحرف الجر يتعلق بمحذوف على القول الأول تقديره يبين ذلك لمن سأل عنه ويتعلق بقدر على القول الثاني .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

ولما ذكر ما هم به مقرون من إبداعها ، أتبعه ما جعل فيها من الغرائب ، فقال عاطفاً على ما تقديره : أبدع الأرض على ما ذكر : { وجعل } ولا يجوز عطفه على صلة الموصول للفصل بأجنبي { فيها رواسي } هي أشدها وهي الجبال ، ونبه على أنها مخالفة للرواسي في كونها تحت ما يراد إرساؤه فقال : { من فوقها } فمنعتها من الميد ، فعل ذلك لكونه أدل على القدرة ، فإنها لو كانت من تحت لظن أنها ، أساطين حاملة ، ولتظهر منافع الجبال بها أنفسها وبما فيها ، ويشاهد أنها أثقال مفتقرة إلى حامل . ولما هيأها لما يراد منها ، ذكر ما أودعها فقال : { وبارك فيها } أي جعلها قابلة ميسرة صالحة بالأقوات والنافع من الذوات والمعاني المعينة على محاسن الأعمال الميسرة للسير إليه والإقبال عليه ، ودالة على جميع صفاته الحسنى وأسمائه العلى وغير ذلك من المعارف والقدر والقوى { وقدر فيها أقواتها } أي جعلها مع البركة على مقدار لا تتعداه ، ومنهاج بديع دبره في الأزل وارتضاه ، وقدره فأمضاه ، ومن ذلك أنه خص بعض البلاد بشيء لا يوجد في غيرها لتنظيم عمارة الأرض كلها باحتياج بعضهم إلى بعض ، فكان جميع ما تقدم من إيداعها وإيداعها ما ذكر من متاعها ، دفعة واحدة لا ينقص عن حاجة المحتاجين أصلاً ، وإنما ينقص توصلهم أو توصل بعضهم إليه فلا يجد له حينئذ ما يكفيه ، وفي الأرض أضعاف كفايته ، ثم ذكر فذلكة خلق الأرض وما فيها فقال : { في أربعة أيام } وهذا العدد عند ضم اليومين الماضيين إلى يومي الأقوات وهما الثلاثاء والأربعاء ، أو يكون المعنى في تتمته أربعة أيام ، ولا يحمل على الظاهر ليكون ستة لأنه سيأتي للسماوات يومان فكانت تكون ثمانية ، فتعارض آية { الم السجدة } { لله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام } وفصل مقدار ما خلقها فيه ومقدار ما خص الأقوات والمنافع لإحاطة العلم بأنه يخص كل أمر من الأمرين يومان ، ونص على الأولين ليكون ذلك أدل على القدرة فيحسن موقع النعي عليهم بما فصل به الآيتين من اتخاذ الأنداد ، وإنما كان أدل على القدرة ، لأنه إيجاد ذوات محسوسة من العدم قائمة بأنفسها بخلاف البركة ، وتقدير الأقوات فإنه أمر لا يقوم بنفسه ، فلم يفرد يوميه بالذكر ، بل جعلهما تابعين كما أن ما قدر فيهما تابع ، ولم يفعل ذلك في أقل من لمح البصر مع تمام القدرة عليه ، لأن هذا أدل على الاختيار وأدخل في الابتلاء والاختيار ، ليضل به كثيراً ويهدي به كثيراً ، فيكون أعظم لأجورهم لأنه أدل على تسليمهم ، وجعل مدة خلقها ضعف مدة السماء مع كونها أصغر من السماء دلالة على أنها هي المقصودة بالذات لما فيها من الثقلين ، فزادت بما فيها من كثرة المنافع وتباين أصناف الأعراض والجواهر لأن ذلك أدخل في المنة على سكانها ، والاعتناء بشأنهم وشأنها ، وزادت أيضاً بما فيها من الابتلاء بالتهيئة للمعاصي والمجاهدات والمعالجات التي يتنافس فيها الملأ الأعلى ويتخاصم - كل ذلك دلالة على أن المدة ما هي لأجل القدرة بل لأجل التنبيه على ما في المقدر من المقدور وعجائب الأمور ، وليعلم أيضاً بخلق السماء التي هي أكبر جرماً وأتقن جسماً وأعظم زينة وأكثر منافع بما لا يقايس في أقل من مدة خلق الأرض أن خلقها في تلك المدة ليس للعجز عن إيجادها في أقل من اللمح ، بل لحكم تعجز عن حملها العقول ، ولعل تخصيص السماء بقصر المدة دون العكس لإجراء أمرها على ما نتعارفه من أن بناء السقف أخف من بناء البيت تنبيهاً على أنه بنى أمر دارنا هذه على الأسباب تعليماً للتأني وتدريباً على السكينة والبعد من العجلة .

ولما كان لفظ { سواء } الذي هو بمعنى العدل الذي لا يزيد عن النصف ولا ينقص يطلب اثنين ، تقول : سواء زيد وعمرو { إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } قال تعالى مزيلاً لما أوهمه قوله : { أربعة أيام } من أنها للأقوات والبركة ليكون مع يومين من الأرض ستة ، ناصباً على المصدر : { سواء } أي التوزيع إلى يومين ويومين على السواء { للسائلين * } أي لمن سأل أو كان بحيث يسأل ويشتد بحثه بسؤال أو نظر عن التوفيق بين ظاهر هذه الآية وبين غيرها ، ولا يتأتى السواء إلا بين يومين ويومين لا بين يومين وأربعة ، لا يزيد أحد الشقين من اليومين على اليومين الآخرين ذرة بعلم محيط وقدرة شاملة ، وليس ذلك كأيام الدنيا لا بد في كل يوم منها من زيادة عن الذي قبله أو نقص ، ومجموع الأربعة كأربعة من أيام الدنيا لا تزيد عليها ولا تنقص ، وقراءة يعقوب بجر " سواء " معينة لأن تكون نعتاً ل " أربعة " وقراءة أبي جعفر بالرفع خبر لمبتدأ محذوف ، وعن خلقها وتتميمها في أربعة أيام كانت فصولها أربعة ، قال ابن برجان : ألا ترى الأمرينزل إلى السماء أولاً في إنزال الماء فيخلقه فيما هنالك ثم ينزله إلى الأرض والنبات والحيوان عن الماء الذي ينزل من السماء إلى الأرض بمنزلة النسل بين الذكر والأنثى وبمنزلة تسخير السماء والأرض وما بينهما لما وجدنا له فافهم - أمر قويم وحكمة شائعة آية ذلك قضاؤه بركات الأرض في أربعة أيام بواسطة ما قدر في السماء من أمر وهي الأربعة الفصول من السنة . الشتاء والربيع والصيف والخريف ، فهذه الأيام معلومة بالمشاهدة ، فيهن يتم زرع الأرض وبركات الدنيا وجميع ما يخرجه منها من فؤائد وعجائب ، قال : وقوله " للسائلين " تعجيب وإغراب وتعظيم للمراد المعنى بالخطاب ، وقد يكون معنى السواء زائداً إلى ما تقدم أن بهذه الأربعة الأيام استوت السنة مطالعها ومغاربها وقربها وبعدها وارتفاعها ونزولها في شمالي بروجها وجنوبيها باحكام ذلك كله وتوابعه - انتهى .