الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

وقوله تعالى : { وبارك فِيهَا } أي : جعلها منبتَّةً للطَّيِّبات والأطعمة ، وجعلها طهوراً إلى غير ذلك من وجوه البركة ، وفي قراءةِ ابن مسعود : ( وَقَسَّمَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ) واخْتُلِفَ في معنى قوله : { أقواتها } فقال السُّدِّيُّ : هي أقواتُ البَشَرِ وأرزاقُهُمْ ، وأضافها إلى الأرض ، من حيثُ هي فيها وَعَنْهَا ، وقال قتادة : هي أقواتُ الأرض : من الجبال ، والأنهار ، والأشجار ، والصُّخُور ، والمعادن ، والأشياءِ التي بها قِوَامُ الأَرْضِ ومَصَالِحُها ، وروى ابنُ عباس في هذا حديثاً مرفوعاً ، فشبَّهها بالقُوتِ الذي به قِوَامُ الحيوان ، وقال مجاهَدٌ أراد أقواتَهَا من المَطَرِ والمياه ، وقال الضَّحَّاكُ وغيره : أراد بقوله : { أقواتها } : خصائصها التي قَسَّمها في البلاد من المَلْبُوسِ والمطعومِ ، فجعل في بَلَدٍ وفي قُطْرٍ ما ليس في الآخِرِ ، لِيَحْتَاجَ بعضُهم إلى بعضٍ ، ويُتَقوَّت مِنْ هذه في هذه ، وهذا قريبٌ من الأَوَّلِ .

وقوله تعالى : { فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } يريد : باليومين الأولين ، وقرأ الجمهور : ( سَوَاءً ) بالنصب على الحال ، أي : سَوَاءً هي وما انقضى فيها ، وقرأ أبو جعفر بن القَعْقَاعِ : ( سَوَاءٌ ) بالرفع ، أي : هِيَ سَوَاءٌ ، وقرأ الحسن : «سَوَاءٍ » بالخفض على نعت الأيَّامِ ، واخْتُلِفَ في معنى : ( للسائلين ) : فقال قتادة معناه : سواءٌ لِمَنْ سَأَلَ واستفهم عن الأمْرِ وحقيقةِ وُقُوعِهِ ، وأراد العِبْرَةَ فيه ، فإنَّه يجده ، كما قال تعالى ، وقال ابن زيد وجماعة : معناه : مستوٍ مُهَيَّأٌ أمر هذه المخلوقات ونَفْعُهَا للمحتاجِينَ إلَيْهَا من البشر ، فعَبَّر عنهم ب { لِّلسَّائِلينَ } بمعنى الطالبين ؛ لأَّنَّهُ من شَأْنهم ، ولاَ بُدَّ طَلَبَ ما ينتفعون به ، فهم في حُكْمِ مَنْ سَأَلَ هذه الأشياء ، إذ هُمْ أهل حاجة إليها ، ولفظة سواء تجري مَجْرَى عَدْل وزَوْر ، في أنْ تَرِدَ على المفرد والجمع والمذكر والمؤنث .