الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

{ رَوَاسِىَ } جبالاً ثوابت .

فإن قلت : ما معنى قوله : { مِنْ فَوْقِهَا } وهل اقتصر على قوله : { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } كقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شامخات } [ المرسلات : 27 ] ، { وَجَعَلْنَا فِى الأرض رَوَاسِىَ } [ الأنبياء : 31 ] ، { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ } [ النمل : 61 ] ؟ قلت : لو كانت تحتها كالأساطين لها تستقر عليها ، أو مركوزة فيها كالمسامير : لمنعت من الميدان أيضاً ، وإنما اختار إرساءها فوق الأرض ، لتكون المنافع في الجبال معرضة لطالبيها ، حاضرة محصليها ، وليبصر أن الأرض والجبال أثقال على أثقال ، كلها مفتقرة إلى ممسك لا بد لها منه ، وهو ممسكها عزّ وعلا بقدرته { وبارك فِيهَا } وأكثر خيرها وأنماه { وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها } أرزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم . وفي قراءة ابن مسعود . وقسم فيها أقواتها { فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء } فذلكة لمدة خلق الله الأرض وما فيها ، كأنه قال : كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان . قيل : خلق الله الأرض في يوم الأحد ويوم الإثنين ، وما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء . وقال الزجاج : في أربعة أيام في تتمة أربعة أيام ، يريد بالتتمة اليومين . وقرىء : «سواء » بالحركات الثلاث : الجر على الوصف والنصب على : استوت سواء ، أي : استواء : والرفع على : هي سواء .

فإن قلت : بم تعلق قوله { لّلسَّائِلِينَ } ؟ قلت : بمحذوف ، كأنه قيل : هذا الحصر لأجل من سأل : في كم خلقت الأرض وما فيها ؟ أو يقدر : أي : قدر فيها الأقوات لأجل الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين . وهذا الوجه الأخير لا يستقيم إلا على تفسير الزجاج .

فإن قلت : هلا قيل في يومين ؟ وأي فائدة في هذه الفذلكة ؟ قلت : إذا قال في أربعة أيام وقد ذكر أن الأرض خلقت في يومين ، علم أن ما فيها خلق في يومين ، فبقيت المخايرة بين أن تقول في يومين وأن تقول في أربعة أيام سواء ، فكانت في أربعة أيام سواء فائدة ليست في يومين ، وهي الدلالة على أنها كانت أياماً كاملة بغير زيادة ولا نقصان . ولو قال : في يومين - وقد يطلق اليومان على أكثرهما -لكان يجوز أن يريد باليومين الأولين والآخرين أكثرهما .