تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

الآية 10 وقوله تعالى : { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا } أي جعل في الأرض جبالا أرسى بها الأرض ، وأثبتها ، لأنه ذكر أن الأرض كانت على الماء ، وكادت تميد بأهلها [ لولا أنه ]{[18420]} أرساها بالجبال ، وأقرّها بها .

وفيه نوع تعليقها{[18421]} لأنه معلوم أن الجبال التي [ أثبت ]{[18422]} بها الأرض [ وأقرّها بها ]{[18423]} كانت تزيد في ثقل الأرض .

فالسبيل فيه الترسّب في الماء والانحدار فيه ، لا الإثبات بها والإقرار . لكنه جعل الجبال سبب إثبات الأرض وإقرارها تعليما منه الخلق تعليق الأشياء بعضها ببعض وتعليقها بالأسباب من غير أن تكون الأسباب معونة له على ذلك . ولو شاء أثبتها ، أرساها بلا سبب ولا شيء علّقه بها{[18424]} . لكنه علّق الأشياء والأسباب لما ذكرنا من تعليم الخلق تعليق{[18425]} الأشياء بالأسباب .

وقوله تعالى : { وَبَارَكَ فِيهَا } يحتمل { وَبَارَكَ فِيهَا } أي في الجبال ؛ فقد جعل الله تعالى فيها البركات الكثيرة : منها المياه تخرج منها ، ومنها العيون ، ومنها الذهب والفضة وغيرهما ، ومنها الثمار والأشجار التي يُنتفع بها وأنواع النبات التي تصلح للأدوية وغير ذلك من المنافع التي يكثر عدّها وإحصاؤها .

ويحتمل قوله : { وبارك فيها } أي في الأرض [ فقد جعل الله ، تعالى ، في الأرض ]{[18426]} البركات الكثيرة من المياه التي تخرج منها وأنواع النبات والثمار وغير ذلك مما بها قوام الخلق جميعا وغذاؤهم من البشر والدّواب ، والله أعلم .

والبركة ، هي اسم كل خير يكون أبدا على الزيادة والنّماء .

وقوله تعالى : { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ } أي قدّر في الأرض أقوات أهلها وأرزاقهم في أربعة أيام سواء للسائلين .

قال الزّجّاج في قوله : { سواء للسائلين } ثلاث لغات : بالنصب والرفع والخفض :

فمن خفضه : سواء للسائلين صيّره صفة ونعتا للأيام ، كأنه قال : في أربعة أيام سواء للسائلين ، أي مستويات ، ليس بعضها أطول من بعض .

ومن قرأ بالنصب { سواء } صيّره مصدرا أي سواء وتسوية .

ومن قرأ بالرفع [ سواء ]{[18427]} صيّره على الابتداء ؛ يقول ، والله أعلم ، أي تلك الأقوات التي قدّرها سواء للمحتاجين ، أي كفاية لهم على قدر حاجتهم .

ثم اختُلف في قوله : { سواء للسائلين } عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[18428]} قال : من سأل عن ذلك وجده كما قال الله ، تعالى ، ويقول ابن عباس رضي الله عنه : وأنا من السائلين . فكان قول ابن عباس رضي الله عنه ما ذكرنا أي كفاية للسائلين المحتاجين على السواء . وقال بعضهم : عدلا للسائلين .

والعدل يخرّج على وجهين :

أحدهما : العدل الذي يناقض الجور ، أي عدل للسائلين ، أي ليس يجور .

والثاني : عدلا للسائلين ، أي سواء ؛ يقول لمن يشاء الرّزق من السائلين .

وقال الحسن : { في أربعة أيام سواء للسائلين } لمن يسأل عن خلقه { في أربعة أيام } للسائلين ، أو كلام نحوه .

وقال بعضهم : هو من مقاديم الكلام . يقول : قدّر فيها أقواتها سواء في أربعة أيام للسائلين . تلك الأوقات والأرزاق سواء ، والله أعلم .

ثم في هذا مسألتان :

إحداهما : في تكوين الخلق وإحداثه [ والثانية ]{[18429]} ما ذكر من تقدير الأقوات في الأوقات .

فعندنا أن الله تعالى لم يزل مُكوِّنا مُحدِثا ، وما{[18430]} كان ، ويكون ، إلى آخر الأبد إنما يكون بتكوين كان منه [ في الأزل ]{[18431]} لا بتكوين يحدث منه في كل وقت يحدث المُكوّن والخلق .

والأصل في ذلك ما ذكرنا في ما تقدم أنه إذا أضيفت الأوقات إلى فعلها ، فتكوين التوقيت للخلق ؛ أعني للمفعول ، لا لفعله لما ذكرنا أنه لا حاجة تقع له في المعونة بشيء مما ذكر من التوقيت ، وإنما ذكر ذلك لئلا يتوهّم قِدم المفعول والخلق ، وليُعلَم أنه مُحدَث .

مسألة أخرى في ذكر التحديد والتوقيت في خلق ما ذكر لحكمة ، جعل في ذلك من غير أن يصعُب عليه خلق ذلك /483– أ/ في ساعة أو طرفة عين ؛ إذ المعنى في خلق ما ذكر في أيام وأوقات ؛ ذكر ذلك [ في طرفة ]{[18432]} عين موجود على السواء ، وهو أن الله تعالى عالم بذاته قادر بذاته ، له قدرة ذاتية وعلم ذاتيّ لا مستفاد فالأوقات إنما يحتاج إليها من كان يعمل بقدرة مستفادة وعلم مستفاد استعانة له بذلك .

فأما الله سبحانه وتعالى فما{[18433]} يكون منه إنما يكون بقدرة ذاتية وعلم ذاتيّ ، لا حاجة تقع [ له ]{[18434]} الاستعانة بشي من ذلك . لذلك كان ما ذكرنا ثم .

وقوله تعالى : { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } أربعة الأيام التي ذكر ، هي مع خلق الأرض ، يومان لخلق الأرض ويومان لتقدير الأقوات لأهلها والأرزاق ، فتكون أربعة .

ثم ذكر لخلق السماوات يومين ؛ فإذا جُمعت تكون ستة أيام ، وهي{[18435]} ما ذكر في [ آيات أخر ]{[18436]} { الذي خلق

السماوات والأرض في ستة أيام } [ يونس : 3 و . . . . } فكان تمام ذلك في ستة أيام في غير موضع{[18437]} .


[18420]:في الأصل وم: لكنه.
[18421]:في الأصل وم. وها.
[18422]:من م، ساقطة من الأصل.
[18423]:في الأصل وم: وأقربها.
[18424]:في الأصل وم: به.
[18425]:أدرج قبلها في الأصل وم: تعليم.
[18426]:من م، ساقطة من الأصل.
[18427]:انظر معجم القراءات القرآنية ج 6/64.
[18428]:ساقطة من الأصل وم.
[18429]:في الأصل وم: و.
[18430]:في الأصل وم: وإن.
[18431]:في الأصل وم: وفي الأول.
[18432]:ساقطة من الأصل وم.
[18433]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[18434]:ساقطة من الأصل وم.
[18435]:في الأصل وم: وهو.
[18436]:في الأصل وم: آية أخرى.
[18437]:يونس: 3، هود: 7، الفرقان: 59، السجدة: 4، الحديد: 4.