{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ } أي جبالا ثوابت ، معطوف على خلق وقيل مستأنفة لوقوع الفصل بينهما بالأجنبي ، والأول أولى ، لأن الجملة الفاصلة هي مقررة لمضمون ما قبلها ، فكانت بمنزلة التأكيد ، ومعنى : { مِنْ فَوْقِهَا } أنها مرتفعة عليها لأنها من أجزاء الأرض ، وإنما خالفتها باعتبار الارتفاع فكانت من هذه الحيثية كالمغايرة لها وإنما اختار إرساءها فوق الأرض لتكون منافع الجبال ظاهرة لطالبيها ، وليبصر أن الأرض والجبال أثقال على أثقال كلها مفتقرة إلى ممسك ، وهو الله العزيز المتعال ، القادر المختار .
{ وَبَارَكَ فِيهَا } أي جعلها مباركة كثيرة الخير بما خلق فيها من المنافع للعباد قال السدي : أنبت فيها شجرها { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا } قال الحسن وعكرمة والضحاك : قدر فيها أرزاق أهلها ، وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع ، جعل في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ، ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلى بلد وقيل قدر البُرَّ لأهل قطر من الأرض والتمر لأهل قطر آخر ، وكذلك سائر الأقوات .
قيل : إن الزرع أكثر الحرف بركة لأن الله وضع الأوقات في الأرض ، وقال ابن عباس أي شق الأنهار ، وغرس الأشجار ، ووضع الجبال ، وأجرى البحار ، وجعل في هذه ما ليس في هذه وفي هذه ما ليس في هذه ، وقال قتادة ومجاهد : خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها .
{ فِي } تتمة { أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } أي في يوم الثلاثاء والأربعاء باليومين المتقدمين ، قاله الزجاج وغيره ، قال ابن الأنباري : ومثاله قول القائل : خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما ، أي تتمة خمسة عشر يوما ، فيكون المعنى : إن حصول جميع ما تقدم من خلق الأرض وما بعدها في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان ولولا هذا التقدير لكانت الأيام ثمانية يومان في الأول وهو قوله { خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } ويومان في الأخير وهو قوله الآتي : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } وأربعة في الوسط .
وقال أبو البقاء : ولعل زيادة مدة الأرض على مدة السماء جريا على ما يتعارف من أن بناء السقف أخف من بناء البيت ، وقيل : للتنبيه على أن الأرض هي المقصودة بالذات لما فيها من الثقلين وكثرة المنافع ، وقيل : لما فيها من الابتلاء بالمعاصي ، والمجاهدات والمجادلات والمعالجات .
عن ابن عباس أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن خلق السماوات والأرض ، فقال ( خلق الله الأرض في يومين الأحد والاثنين ، وخلق الجبال وما فيهن من منافع يوم الثلاثاء وخلق الأربعاء الشجر والحجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة أيام فقال تعالى : قل أئنكم لتكفرون إلى قوله للسائلين ، وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم ، والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه ، فخلق من أول ساعة من هذه الثلاث الآجال حين يموت من مات ، وفي الثانية ألقى فيها من كل شيء مما ينتفع به ، وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنة ، وأمر إبليس بالسجود له ، وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد ؟ قال : ثم استوى على العرش ، قالوا قد أصبت لو أتممت . قالوا ثم استراح ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ، غضبا شديدا فنزل : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ، فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } أخرجه ابن جرير والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات .
ولكن في حديث مسلم عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بيدي فقال : ( خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء وخلق الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة في آخر الخلق فيما بين العصر إلى الليل ) . وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أيضا قال : ( إن الله خلق يوما فسماه الأحد ثانيا فسماه الاثنين ، ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ، ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء ثم خلق خامسا فسماه الخميس ، وذكر نحو ما تقدم ) . وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إن الله فرغ من خلقه في ستة أيام ) وذكر نحو ما تقدم .
وانتصاب { سَوَاءً } على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف هو صفة للأيام ، أي استوت الأربعة سواء ، بمعنى استواء ، ويجوز أن يكون منتصبا على الحال من الأرض أو من الضمائر الراجعة إليها قرأ الجمهور بنصب سواء ، وقرأ زيد بن علي والحسن وغيرهما بخفضه على أنه صفة للأيام وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، قال الحسن : المعنى في أربعة أيام مستوية تامة لا تزيد ولا تنقص ، وقوله :
{ لِلسَّائِلِينَ } متعلق بسواء أي مستويان للسائلين أو بمحذوف كأنه قيل هذا الحصر للسائلين في كم يوم خلقت الأرض وما فيها ؟ أو متعلق بقدر أي قدر فيها أقواتها لأجل الطالبين المحتاجين إليها قال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين في أربعة أيام ، واختار هذا ابن جرير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.