إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

وقولُه تعالَى : { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ } عطفٌ على خلقَ داخلٌ في حكم الصلةِ والجعلُ إبداعيٌّ وحديثُ لزومِ الفصلِ بينهما بجملتينِ خارجتينِ عن حيزِ الصلةِ مدفوعٌ بأن الأُولى متحدةٌ بقولِه تعالى : تكفرونَ فهو بمنزلةِ الإعادةِ له ، والثانيةُ اعتراضيةٌ مقررةٌ لمضمون الكلامِ بمنزلة التأكيدِ فالفصلُ بهما كلاَ فصلٍ على أن فيه فائدةَ التنبيِه على أن مجردَ المعطوفِ عليه كافٍ في تحقق ربوبيتِه للعالمينَ واستحالةِ أنْ يجعلَ له ندٌّ فكيفَ إذا انضمَّ إليه المعطوفاتُ وقيلَ هو عطفٌ على مقدرٍ أي خلقَها وجعلَ الخ وقيلَ هو كلامٌ مستأنفٌ وأيَّاً ما كان فالمرادُ تقديرُ الجعلِ لا الجعلُ بالفعلِ . وقولُه تعالى : { من فَوْقِهَا } متعلقٌ بجعلَ أو بمضمر هو صفةٌ لرواسِي أي كائنةً من فوقها مرتفعةً عليها لتكونَ منافعُها معرضةً لأهلها ويظهرَ للنظّارِ ما فيَها من مراصدِ الاعتبارِ ومطارحِ الأفكارِ { وبارك فِيهَا } أي قدرَ أن يكثرَ خيرُها بأن يخلقَ أنواعَ الحيواناتِ التي من جُملتها الإنسانُ وأصنافُ النباتِ التي منها معايشُهم { وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها } أي حكَم بالفعلِ بأن يوجدَ فيما سيأتي لأهلها من الأنواع المختلفةِ أقواتُها المناسبةُ لها على مقدار معينٍ تقتضيه الحكمةُ . وقُرِئ وقَسَّم فيَها أقواتَها { فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } متعلقٌ بحصول الأمورِ المذكورةِ ، لا بتقديرها أي قدرَ حصولَها في يومينِ وإنما قيلَ في أربعة أيامٍ أي تتمةِ أربعةٍ تصريحاً بالفذلكةِ { سَوَاء } مصدرٌ مؤكدٌ لمضمرٍ ، هو صفةٌ لأيامٍ أي استوتْ سواءً أيَّ استواءً كما ينبئُ عنه القراءةُ بالجرِّ وقيلَ هو حالٌ من الضمير في أقواتها أو في فيَها . وقُرِئَ بالرفع أي هو سواءٌ { للسَّائِلِينَ } متعلقٌ بمحذوف تقديرُه هذا الحصرُ للسائلينَ عن مدةِ خلقِ الأرضِ وما فيها أو بقدَّرَ أي قدَّرَ فيها أقواتَها لأجل السائلينَ أي الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين .