فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ} (10)

{ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين( 10 ) } .

وأقرّ الله تعالى الأرض وأرساها بالجبال الثوابت المنتشرة على سطحها ؛ وفي ذلك آية على وحدانيته ، وبرهان على حكمته ، كما هي من فيض آلائه ونعمته : { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم . . }{[4149]} إذ اضطراب حملها واختلاف أثقالها إنما يكون عند ذهاب الكون وانتهاء الحياة : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث . وتكون الجبال كالعهن المنفوش }{[4150]} { يوم تمور السماء مورا . وتسير الجبال سيرا }{[4151]} ؛ وجعل الله تعالى في الجبال بركة ، أو جعل في الأرض بركة ، والبركة كثرة الخير ، فبركة الجبال- فوق ما ذكرنا- في سامق طولها ، ومختلف ألوانها وحيوانها ، ومعادنها ونبتها ، وشجرها وحجرها .

[ ومنها الأحجار المختلفة : بعضها للزينة ، وبعضها للأبنية ، فانظر إلى الحجر الذي تستخرج منه النار مع كثرته ، وانظر إلى الياقوت الأحمر مع عزته وندرته- وانظر إلى النفع بذلك الحقير ، وقلة النفع بهذا الخطير . . ولعل ما تركنا من منافع أكثر مما عددنا ]{[4152]} .

وأودع الله-تعالى- الأرض ما به قوام من يعيشون فيها إنسا وجنا ، وما يدب عليها ، وما تتصدع به وتنشق عنه مما فيه قوت البشر والبهائم ، والطعام والأدام ، والدواء والفواكه ، والكساء والزينة ، والسكن والمأوى .

يقول صاحب جامع البيان- بعد أن أورد نقولا مأثورة- : إن[ الأقوات ] الأرزاق والمعايش ، أو المطر ، أو في كل أرض قوت لا يصلح بغيره . قال : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى أخبر أنه قدّر في الأرض أهلها وذلك ما يقوتهم من الغذاء ويصلحهم من المعاش ، ولم يخصص جل ثناؤه . . قوتا دون قوت . . ومما يقوت أهلها ما لا يصلحهم غيره من الغذاء ، وذلك لا يكون إلا بالمطر والتصرف في البلاد لما خص الله به بعضا دون بعض ، ومما أخرج من الجبال من الجواهر ، ومن البحر من المآكل والحلي . . اه .

{ في أربعة أيام } خلق الله الأرض ثم خلق الجبال والأقوات ، فخلق الجبال والأقوات وما ينبغي لها في يومين تاليين لخلق الأرض في يومين .

نقل أبو جعفر عن بعض نحويي البصرة قال : خلق الأرض في يومين ثم قال : { في أربعة أيام } لأنه يعني أن هذا مع الأول أربعة أيام . . اه .

وأقول : أبدع المولى وأنشأ ذلك وأتمه في زمن ليس بمتباعد ، بل فيما نقدره بأربعة أيام من أيامنا ، فذلك تقريب لأفهام البشر المخاطبين ، وذلك أولى أن نفسر الآية على نسقه-إذ لم يكن حين خلقت السماوات والأرضون ليل ولا نهار ، وإنما كانا بعد خلق السماء والأرض والشمس والقمر-

ومن سأل عن مبلغ الأجل الذي خلق الله فيه الأرض والجبال والبركة والأقوات فجوابه-كما أخبر الله-أربعة أيام ؛ نقل ذلك عن قتادة والسدّي ؛ وعن ابن زيد : قدر ذلك على قدر مسائلهم ، يعلم ذلك أنه لا يكون من مسائلهم شيء إلا قد علمه قبل أن يكون-اه .


[4149]:سورة النحل. من الآية 15، وكأن المعنى تميل وتضطرب بكم.
[4150]:سورة القارعة، الآيتان: 4، 5.
[4151]:سورة الطور. الآيتان: 10،9.
[4152]:مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن.