صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة المرسلات

نزلت بمكة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ، وهو بغار في منى يعرف بغار المرسلات .

وقد شدد فيها النكير علة منكري البعث ، والتهديد لهم بالويل والهلاك . وأقيم لهم من الأدلة ما يحمل إنكارهم له في حيز المكابرة والعناد . وهي من أقوى السور صدعا لقلوبهم ، وإنذارا بسوء عاقبتهم .

وقد أقسم الله تعالى في صدرها على أن الساعة آتية ، والبعث واقع لا محالة – بخمسة أشياء عظيمة من خلقه ، ذكرت صفاتها ولم تذكر هي ؛ فاختلف المفسرون في تعيينها اختلافا كثيرا . والظاهر : أن المقسم به شيئان ، فصل بينهما بالعطف بالواو المشعر بالمغايرة . وأنه تعالى أقسم أولا بالرياح المرسلة لعذاب المكذبين ، أو المرسلة لما يأمرها به سبحانه ، ومنه عذابهم ؛ من الإرسال وهو التسليط والتوجيه . ووصفها بالعصف وهو الشدة ؛ لإهلاكها من ترسل إليهم ، أو لسرعتها في مضيها لتنفيذ أمره تعالى . يقال : عصفت الريح – من باب ضرب – اشتدت . وعصفت الحرب بالقوم إذا ذهبت بهم . وناقة عصوف : تعصف براكبها فتمضي به كأنها ريح في السرعة . والعطف بالفاء هنا يؤذن بأنه من عطف الصفات . وأقسم ثانيا بالملائكة ، وهي من أعظم خلق الله قوة ، طوعا لأمره ، وإسراعا إليه . فوصفها بالناشرات ؛ لنشرهن أجنحتهن في الجو لنزولهن بالوحي . أو لنشرهن النفوس الموتى بالكفر ولجهل بما يوحين للأنبياء والرسل . وبالفارقات ؛ لفرقهن بين الحق والباطل بنزولهن بالوحي . وبالملقيات ذكرا ؛ لإلقائهن الذكر إلى الأنبياء والرسل ليبلغوه للأمم للإعذار والإنذار . ومن المفسرين من جعل الأوصاف الخمسة للرياح ومنهم من جعلها كلها للملائكة ، ومنهم من غاير بينها .

{ عرفا } متتابعة متلاحقة حين إرسالها . يقال : طار القطا عرفا عرفا ؛ أي بعضها خلف بعض ، والمعنى على التشبيه . أي حال كونها في تتابعها وتلاحقها كعرف الفرس ونحوها ، وهو منبت الشعر والريش من العنق .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة المرسلات مكية ، وعدد آياتها خمسون ، نزلت بعد سورة الهمزة . وهذه السورة كباقي السور المكية قصيرة الآيات ، تعرض مشاهد من الدنيا والآخرة ، وحقائق الكون والنفس ، ومناظر الهول والعذاب . وقد تكرر فيها قوله تعالى { ويل يومئذ للمكذبين } عشر مرات في عشرة مقاطع . وكل مقطع من مقاطع السورة العشرة يمثل جولة في عالم تتحول السورة معه إلى مساحات من التأملات والمشاعر والخواطر والتأثرات . وأهم ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة بعد المطلع الإخبار بأن يوم الفصل آت لا شك فيه ، وقد أكد ذلك بالقَسَم بعدة أشياء . وبعد الكلام على البعث والقيامة وإقامة الأدلة على وقوعها ، جاء تهديد من يكذب بهما وتكرير ذلك التهديد بالويل عشر مرات ، والتخويف بما يذوق المكذبون من المذلة والعذاب ، وتوبيخهم على نكران نِعم اله عليهم في الأنفس والآفاق ، ثم وصف عذاب الكافرين بما تشيب من هوله الولدان .

ثم يأتي تبشير المتقين بما يلقونه من الرفاهة والنعيم ، ووصف نعيم المتقين في جنات النعيم ، ويتخلل ذلك وصف خلق الإنسان والأرض والجبال ، وبيان عظمة الخالق وقدرته .

وتتوالى مقاطع السورة وفواصلها قصيرة سريعة عنيفة ، متعددة القوافي ، كل مقطع بقافية . ويعود السياق أحيانا إلى بعض القوافي مرة بعد مرة ، ثم يأتي ختامها بالويل للكافرين المكذبين الذين لا يؤمنون بالقرآن الكريم ، { فبأي حديث بعده يؤمنون } !

المرسَلات : الملائكة .

عُرفا : للعرف والخير .

أقسم اللهُ تعالى بطوائف من الملائكة ، منهم المرسَلون إلى الأنبياء بالإحسان

والمعروف والخير ليبلغوها للناس .

   
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة المرسلات

مكية إلا آية 48 فمدنية وآياتها 50 نزلت بعد الهمزة

اختلف في معنى المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات على قولين :

أحدهما : أنها الملائكة .

والآخر : أنها الرياح ، فعلى القول بأنها الملائكة سماهم المرسلات لأن الله تعالى يرسلهم بالوحي وغيره .

وسماهم العاصفات لأنهم يعصفون كما تعصف الرياح في سرعة مضيهم إلى امتثال أوامر الله تعالى .

وسماهم ناشرات لأنهم ينشرون أجنحتهم في الجو ، وينشرون الشرائع في الأرض ، أو ينشرون صحائف الأعمال وسماهم الفارقات لأنهم يفرقون بين الحق والباطل .

وعلى القول بأنها الرياح ، سماها المرسلات لقوله : { الله الذي يرسل الرياح } [ الروم : 48 ] .

وسماها العاصفات من قوله : { ريح عاصف } [ يونس : 22 ] أي : شديدة .

وسماها الناشرات لأنها تنشر السحاب في الجو ومنه قوله : { يرسل الرياح فتثير سحابا } [ الروم : 48 ] .

وسماها الفارقات لأنها تفرق بين السحاب ومنه قوله : { ويجعله كسفا } [ الروم : 48 ] .

وأما الملقيات ذكرا فهم الملائكة لأنهم يلقون الذكر للأنبياء عليهم السلام والأظهر في المرسلات والعاصفات أنها الرياح لأن وصف الريح بالعصف حقيقة والأظهر في الناشرات والفارقات أنها الملائكة لأن الوصف بالفارقات أليق بهم من الرياح ولأن الملقيات المذكورة بعدها هي الملائكة ولم يقل أحد : أنها الرياح ولذلك عطف المتجانسين بالفاء فقال : والمرسلات فالعاصفات ثم عطف ما ليس من جنسها بالواو فقال : { والناشرات } ثم عطف عليه المتجانسين بالفاء وقد قيل : في المرسلات والملقيات أنهم الأنبياء عليهم السلام .

{ عرفا } معناه : فضلا وإنعاما وانتصابه على أنه مفعول من أجله ، وقيل : معناه متتابعة وهو مصدر في موضع الحال وأما عصفا ونشرا وفرقا فمصادر وأما ذكرا فمفعول به .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

/سورة المرسلات{[1]} وتسمى العرف

مقصودها الدلالة على [ آخر-{[2]} ]الإنسان من إثابة الشاكرين بالنعيم ، وإصابة الكافرين بعذاب الجحيم ، في يوم الفصل بعد جمع الأجساد وإحياء{[3]} العباد بعد طي هذا الوجود وتغيير العالم المعهود بما له سبحانه من القدرة على إنبات النبات وإنشاء الأقوات وإنزال العلوم وإيساع الفهوم لإحياء الأرواح{[4]} وإسعاد الأشباح بأسباب خفية وعلل مرئية وغير مرئية ، وتطوير الإنسان في أطوار الأسنان ، وإيداع الإيمان فيما يرضى من الأبدان ، وإيجاد الكفران في أهل الخيبة والخسران ، مع اشتراك الكل في أساليب هذا القرآن ، الذي عجز الإنس والجان ، عن الإتيان بمثل آية [ منه-{[5]} ] على كثرتهم وتطاول الزمان ، واسمها المرسلات و[ كذا-{[6]} ] العرف واضح الدلالة على ذلك لمن تدبر الأقسام ، وتذكر ما دلت عليه من معاني الكلام { بسم الله }{[7]} الذي له القدرة التامة على ما يريد { الرحمن } الذي له عموم الإنعام على سائر العبيد { الرحيم* } الذي خص أهل رضوانه بإتمام ذلك الإنعام وعنده المزيد .

لما ختمت سورة الإنسان بالوعد لأوليائه والوعيد لأعدائه ، وكان الكفار يكذبون بذلك ، افتتح هذه بالإقسام على أن ذلك كائن فقال : { والمرسلات } أي من الرياح{[70823]} والملائكة { عرفاً * } أي لأجل إلقاء المعروف من القرآن{[70824]} والسنة وغير ذلك من الإحسان ، ومن إلقاء الروح والبركة وتيسير الأمور في الأقوات{[70825]} وغيرها ، أو حال كونها متتابعة متكاثرة بعضها في أثر بعض ، من قول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد - إذا توجهوا إليه فأكثروا ، ويقال : جاؤوا عرفاً واحداً ، وهم عليه كعرف الضبع{[70826]} - إذا تألبوا عليه .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[70823]:من ظ و م، وفي الأصل: الروح.
[70824]:من ظ و م، وفي الأصل: الكتاب.
[70825]:من ظ و م، وفي الأصل: الأوقات.
[70826]:من ظ و م، وفي الأصل: الصبح.