{ وما أفاء الله على رسوله منهم . . . } الفيء : الرجوع ، يقال : فاء عليه ، إذا رجع ، وأفأته عليه : إذا رددته عليه . والإيجاف : الإسراع في السير يقال : أوجفت البعير ، أسرعته والركاب : الإبل . نزلت حين طلب الصحابة منه صلى الله عليه وسلم أن يقسم بينهم أموال بني النضير قسمة الغنائم ؛ فبين الله تعالى أنها فيء لا غنيمة ، إذ أنهم لم يقطعوا لها شقة ، ولم يلقوا فيها مشقة ، ولم يلتحموا فيها بقتال شديد ، بل ذهبوا إلى قراها رجالا ، وكانت على ميلين من المدينة ، وفتحت صلحا فهي للرسول صلى الله عليه وسلم خالصة ، يتصرف فيها كما أمره الله تعالى في الآية التالية ؛ حيث جعل فيها خمس الفيء من أموال الكفار عامة مقسوما على خمسة أسهم لمن ذكرهم الله فيها ؛ لا على ستة لأن سهمه سبحانه ومنهم رسوله سهم واحد . وذكره تعالى افتتاح كلام للتيمن والتبرك ؛ فإن لله ما في السموات وما في الأرض ، وفيه تعظيم لشأن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجعل أربعة أخماسه الباقية لمصالح المسلمين على ما يراه صلى الله عليه وسلم ، وله أن يعم بها وأن يخص ، ولذلك احتبس صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير شيئا لنوائبه وما يعرون . وقسم أكثرها بين الفقراء المهاجرين ، ولم يعط الأنصار منها شيئا سوى ثلاثة نفر أعطاهم لفقرهم ، وقال للأنصار : ( إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم وأقمتم على مواساتهم في ثماركم ، وإن شئتم أعطيتها للمهاجرين دونكم وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم ) ؟ فقالوا : بل تعطيهم دوننا ، ونقيم على مواساتهم ؛ فأعطى المهاجرين دونهم ، فاستغنى القوم جميعا : المهاجرون بما أخذوا ، والأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم . و { أهل القرى } هم أهل قرى الكفار عامة ، الذين نيلت أموالهم صلحا بغير إيحاف خيل ولا ركاب . و { لذي القربى } هم بنو هاشم وبنو المطلب .
{ ما أفاء الله على رسوله } : ما رده الله من أموال بني النضير ، والفيء : معناه في اللغة الرجوع ، ومعناه في الشرع : ما أُخذ من أموال الأعداء من غير قتال .
{ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } : فما أسرعتم في السير إليه بخيل ولا إبل . يبين الله تعالى هنا حكْم ما أخذ من أموال بني النضير بعد ما حل بهم من الإجلاء ويقول : إن الأموال التي تركها بنو النضير في بيوتهم هي فيءٌ لله وللرسول يضعها حيث يشاء . . لأن ما أفاءه الله وردّه على رسوله من أموالهم قد تم مع أنكم أيها المسلمون ، لم تسرعوا إليهم بالخيل ولا بالإبل ولم تقاتلوهم ، بل نزلوا على حكم الرسول الكريم ، فالله يسلّط رسله على من يشاء من عباده بلا قتال ، { والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « كانت أموال بني النضير مما أفاء الله تعالى على رسوله خاصة ، فكان ينفق على أهله منها نفقةَ سنة ، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدّةً في سبيل الله تعالى » .
{ وما أفاء الله على رسوله } رد الله على رسوله ورجع اليه { منهم } من بني النضير 7 من الأموال ، { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } أي ما حملتم خيلكم ولا إبلكم على الوجيف إليه وهو السير السريع والمعنى لم تركبوا إليه خيلا ولا إبلا ولا قطعتم إليه شقة فهو خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل فيه ما أحب وليس كالغنيمة التي تكون للغانمين وهذا معنى قوله { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } الآية .
الأولى- قوله تعالى : { وما أفاء الله } يعني ما رده الله تعالى { على رسوله } من أموال بني النضير ، { فما أوجفتم عليه } أوضعتم عليه . والإيجاف : الإيضاع في السير وهو الإسراع ، يقال : وجف الفرس إذا أسرع ، وأوجفته أنا أي حركته وأتعبته ، ومنه قول تميم بن مقبل :
مذاويدُ بالبِيض الحديث صقالُها *** عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا
والركاب الإبل ، واحدها راحلة . يقول : لم تقطعوا إليها شقة ولا لقيتم بها حربا ولا مشقة ، وإنما كانت من المدينة على ميلين ، قاله الفراء . فمشوا إليها مشيا ولم يركبوا خيلا ولا إبلا ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ركب جملا وقيل حمارا مخطوما بليف ، فافتتحها صلحا وأجلاهم وأخذ أموالهم ، فسأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم لهم فنزلت : { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه } الآية . فجعل أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث شاء ، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين . قال الواقدي : ورواه ابن وهب عن مالك ، ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر محتاجين ، منهم أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصمة . وقيل : إنما أعطى رجلين ، سهلا وأبا دجانة . ويقال : أعطى سعد بن معاذ سيف بن أبي الحقيق ، وكان سيفا له ذِكْرٌ عندهم . ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان : سفيان بن عمير ، وسعد بن وهب ، أسلما على أموالهما فأحرزاها .
وفي صحيح مسلم عن عمر قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان ينفق على أهله نفقة سنة ، وما بقي يجعله في الكراع{[14826]} والسلاح عدة في سبيل الله تعالى . وقال العباس لعمر - رضي الله عنهما - : اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن - يعني عليا رضي الله عنه - فيما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير ، فقال عمر : أتعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نورث ما تركناه صدقة ) قالا : نعم . قال عمر : إن الله عز وجل كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة ولم يخصص بها أحدا غيره . قال : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول } ( ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا ) فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير ، فوالله ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي أسوة المال . . . الحديث بطوله ، خرجه مسلم . وقيل : لما ترك بنو النضير ديارهم وأموالهم طلب المسلمون أن يكون لهم فيها حظ كالغنائم ، فبين الله تعالى أنها فيء وكان جرى ثم بعض القتال ؛ لأنهم حوصروا أياما وقاتلوا وقتلوا ، ثم صالحوا على الجلاء . ولم يكن قتال على التحقيق ، بل جرى مبادئ القتال وجرى الحصار ، وخص الله تلك الأموال برسوله صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد : أعلمهم الله تعالى وذكرهم أنه إنما نصر رسول صلى الله عليه وسلم ونصرهم بغير كراع ولا عدة . { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } أي من أعدائه ، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون أصحابه .
{ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير } .
{ وما أفاء } رد { الله على رسوله منهم فما أوجفتم } أسرعتم يا مسلمون { عليه من } زائدة { خيل ولا ركاب } إبل ، أي لم تقاسوا فيه مشقة ، { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيءٍ قدير } ، فلا حق لكم فيه ويختص به النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذكر معه في الآية الثانية من الأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل منهم خمس الخمس وله صلى الله عليه وسلم الباقي يفعل فيه ما يشاء فأعطى منه المهاجرين وثلاثة من الأنصار لفقرهم .