الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ} (75)

ثم قال : { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } أي{[58579]} : قال الله عز وجل لإبليس : ( يا إبليس ){[58580]} ، أي : شيء منعك من السجود لآدم الذي خلقته بيدي .

قال ابن عمر : خلق الله أربعة بيده : العرش وعدن والقلم وآدم ، ثم قال لكل شيء كن فكان{[58581]} .

والذي عليه أهل العلم والمعرفة بالله أن ذكر اليد وإضافتها إلى الله سبحانه ليست علي جهة الجارحة ، تعالى الله عن ذلك ، ليس كمثله شيء .

وذكر اليد في مثل هذا وغيره صفة من صفات الله لا جارحة{[58582]} .

وقد اختلف في الترجمة عن ذلك :

فقيل : معناه : لما خلقت بقدرتي{[58583]} .

وقيل : بقوتي{[58584]} . وقيل : معناه{[58585]} : لما خلقته .

وذكر اليدين تأكيد ، والعرب إذا أضافت الفعل إلى الرجل ذكروا اليدين . تقول لمن جنى{[58586]} : هذا ما جنيته ، وهذا ما جنته يداك{[58587]} .

وقد قال الله عز وجل : { بما كسبت أيديكم }{[58588]} بمعنى : بما كسبتم . ( فيضاف الفعل إلى اليد والمراد صاحب اليد ){[58589]} وإنما خُصَّتِ اليد بذلك لأن بها يبطش وبها يتناول . فجرى ذلك على عادة العرب .

وقوله : { استكبرت أم كنت من العالين } أي : أتعاظمت{[58590]} عن السجود لآدم{[58591]} أم كنت ذا علو{[58592]} وتكبر على ربك سبحانه ومعنى الكلام التوبيخ .

قال ابن عباس : كان إبليس من أشراف الملائكة وكان خازن الجنان ، وكان أمينا على السماء الدنيا والأرض ، ومن فيها فأعجبته نفسه ورأى أن{[58593]} له فضلا على الملائكة ، ولم يعلم بذلك أحد إلا الله عز وجل يعني : علمه في سابق علمه قبل خلقه للأشياء ، وعلمه متى يكون ، وعلمه وقت حدوثه في نفس إبليس . فلما أمر الله عز وجل الملائكة بالسجود لآدم امتنع وتكبر .


[58579]:ساقط من (ح).
[58580]:في طرة (ع). ساقط من (ح).
[58581]:انظر: جامع البيان 23/119، والمحرر الوجيز 14/52.
[58582]:انظر: المحرر الوجيز 14/52.
[58583]:انظر: جامع القرطبي 15/228. وقد ورد ابن القيم هذا الوجه قائلا: (إذا أُضيف الفعل إلى يد ذي اليد، ثم عُدِّي بالياء إليها مفردة أو مثناة فهو مما باشرته يده. ولهذا قال ابن عمر: (إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا: خلق آدم بيده، وغرس جنة الفردوس بيده، وكتب التوراة بيده) فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على كل شيء مما خلق بالقدرة). التفسير القيم 422.
[58584]:انظر: جامع القرطبي 15/228.
[58585]:سقطت من (ح).
[58586]:(ح): جنا.
[58587]:قلت: والمراد بالتثنية في (اليد) الواحد كقول الشاعر: خليلي لا والله ما أنا منكما *** إذا علم من آل ليلى بداليا وانظر: تفصيله في (شرح على عقيدة أهل السنة) 64.
[58588]:الشورى: 28.
[58589]:في طرة (ع): (فيضاف اليد).
[58590]:(ع): تعظمت.
[58591]:(ح): لآدم صلى الله عليه وسلم).
[58592]:(ح): عناد.
[58593]:(ح): أنه.