الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (22)

ثم قال : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } [ 21 ] أي : ليس من والى من عادى الله ورسوله مؤمنين بالله واليوم الآخر .

ولو ( كان الذي ){[67749]} عادى الله ورسوله أبا له أو ابنا له أو أخا له أو زوجا أو عشيرة له ، لا عذر في موالاته بهذه القرابة إذا كان ممن عادى الله ورسوله .

وروي أن هذه الآية/ نزلت في حاطب بن أبي{[67750]} بلتعة حين كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم{[67751]} ويأمرهم بالتحرز ثم أعتذر لم اطلع عليه بأهله بمكة ، وأنه أحب أن يقدم عندهم يدا يحفظونه أهله من أجلها{[67752]} . وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لا تجعل لأحد أشرك بك في عنقي منة فيكون ذلك سببا للمودة لأنك لا تجد قوما يؤمنون بالله [ واليوم ]{[67753]} إلى أو عشيرتهم{[67754]} .

ثم قال : { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } أي : أولئك الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ذوي قربى منهم ونسب ، كتب الله عز وجل في قلوبهم الإيمان ، ( أي : غطى قلوبهم بالإيمان ){[67755]} .

و " في " بمعنى " اللام " والإخبار عن القلب كالأخبار عن صاحبه{[67756]} . . وقيل معناه : كتب في قلوبهم سمة الإيمان ليعلم أنهم مؤمنون{[67757]} . وقد روي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه يوم أحد . وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه{[67758]} قتل خاله العاصي بن هشام يوم بدر ، ودعا أبو بكر{[67759]} ابنه للبراز يوم بدر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم{[67760]} أن يقعد ، وأن مصعب بن عمير قتل أخاه يوم أحد . وكان علي وعمه حمزة وعبيدة بن الحارث{[67761]} قتلوا يوم بدر عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وهم أقرباؤهم ، ( فلم يتوقف ){[67762]} أحد عن قتل أهله وقرابته ، فمدحهم الله عز وجل{[67763]} في هذه الآية{[67764]} .

ثم قال { وأيدهم بروح منه } أي : وقواهم ببرهان منه{[67765]} . وذلك النور والهدى الذين يجعلها الله عز وجل{[67766]} في قلب من يشاء{[67767]} . وقيل بروح منه : بجبريل ينصرهم ويؤيدهم ويوقفهم{[67768]} . ثم وعدهم بالجنة .

فقال : { ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } أي : ماكثين فيها{[67769]} رضي الله عنهم بطاعتهم إياه ورضوا عنه بوفائه إياهم ما وعدهم من الجنة .

ثم قال : { أولئك حزب الله } أي : جنده وأولياؤه{[67770]} .

{ ألا إن حزب الله هم المفلحون } أي : الباقون في النعيم المقيم والفلاح والبقاء .


[67749]:ج: "و ولو كانوا الذين".
[67750]:حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، صحابي، شهد الوقائع كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أشد الرماة، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، يروي عنه ولده الفقيه يحيى وعروة بن الزبير وغيرهما (ت 30 هـ). انظر "الجرح والتعديل 3/303، وشذرات الذهب 1/37، والإصابة 1/300 وسير أعلام النبلاء 2/43.
[67751]:ساقط من ع.
[67752]:انظر: معاني الفراء 3/142، وتفسير القرطبي 17/308.
[67753]:ساقط من ح.
[67754]:الحديث بطوله ذكره القرطبي في تفسيره 17/308، وابن كثير 4/320 وقال رواه أبو أحمد العسكري، وعزا السيوطي في الدر المنثور 8/87 إلى ابن مردويه، والألوسي في روح المعاني 28/35 وعزاه إلى الديلمي من طريق الحسن بن معاذه إلا أنني لم أجده في مسند الفردوس بهذا اللفظ، وإنما بلفظ قريب منه، ونصه: "اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة أكافئه بها في الدنيا والآخرة. عن معاذ. انظر: مسند الفردوس 1/394 (رقم الحديث 2011). وبلفظ الديلمي ذكره المتقي الهندي في كنز العمال 2/211 (رقم 3810) وذكره الغزالي في الإحياء "بلفظ" اللهم لا تجعل لفاجر عندي يدا فيحبه قلبي "قال الزبيدي: قلت ويروى" اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة يرعاه بها قلبي "قال الحافظ العراقي" ورواه ابن مردويه في التفسير من رواية كثير بن عطية عن رجل لم يسم، ورواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ وأبي موسى المديني في كتاب تضييع العمر والأيام، من طريق أهل البيت مرسلا وأسانيده كلها ضعيفة". انظر: إلتحاف السادة المتقين للمرتضى الزبيدي 6/148.
[67755]:ع، ج: "أي" مضى لقلوبهم بالأيمن".
[67756]:انظر: إعراب النحاس 4/383.
[67757]:انظر: إعراب النحاس 4/383.
[67758]:ساقط من ع.
[67759]:ح. ج: "أبا بكر".
[67760]:ساقط من ع.
[67761]:ع: "عبيدة بن الحرث رضي الله عنه".
[67762]:ع: ج: "ولم يتوقف يوم بدر".
[67763]:ساقط من ع. ج.
[67764]:وهي رواية ابن مسعود من أسباب: النزول للواحدي 310.
[67765]:انظر: مجاز أبي عبيدة 2/255.
[67766]:ساقط من ع.
[67767]:انظر: إعراب النحاس 4/383.
[67768]:انظر: إعراب النحاس 4/383، وتفسير القرطبي 17/309.
[67769]:ساقط من ع، ج.
[67770]:انظر: إعراب النحاس 4/383.