الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (145)

قوله : { وكتبنا له في الألواح من كل شيء } ، إلى قوله : { ما كانوا يعملون }[ 145-147 ] .

المعنى : وكتبنا لموسى{[25230]} في ألواحه{[25231]} { من كل شيء } ، من{[25232]} التذكير والتنبيه على نعم الله ، ( تعالى{[25233]} ) ، وعظمته وسلطانه ومن المواعظ لقومه ومن الأمر بالعمل بما فيها ، { وتفصيلا لكل شيء } أي : تبيينا لكل شيء من أمر الله ( سبحانه{[25234]} ) في الحلال والحرام{[25235]} .

ومعنى : { من كل شيء } ، ( أي{[25236]} ) : من كل شيء يحتاج إليه من أمر الدين{[25237]} .

قال ابن عباس : إن موسى ( عليه السلام{[25238]} ) ، لما كَرَبَهُ الموت ، قال : هذا من أجل آدم ! أنزلنا هاهنا ! قال{[25239]} الله{[25240]} : يا موسى ، أبعث إليك آدم فتخاصمه ؟ قال : نعم ! فلما بعث الله ، جل وعز ، آدم عليه السلام ، سأله موسى ، ( عليه السلام{[25241]} ) ، فقال أبونا آدم ( عليه السلام{[25242]} ) ، : يا موسى ، سألت الله أن يبعثني إليك ! قال موسى : لولا أنت لم نكن هاهنا ! قال له آدم ( عليه السلام{[25243]} ) : [ أليس{[25244]} ] قد أتاك{[25245]} الله من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء أفلست{[25246]} تعلم أن { ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها{[25247]} } ، قال{[25248]} موسى : نعم{[25249]} ، فخصمه{[25250]} ( آدم ( عليه السلام{[25251]} ) .

قوله{[25252]} : { بقوة }[ 145 ] .

أي : بجد{[25253]} .

وقيل : بالطاعة{[25254]} .

ف : " الهاء " {[25255]} في " خذها " و " أحسنها " ، تعود على { الالواح }{[25256]} .

وقيل : على " التوراة " {[25257]} .

{ وامر قومك ياخذوا بأحسنها }[ 145 ] .

أي : بأحسن ما يجدون فيها ، وذلك أن يعملوا بما أمرهم ولا يعملوا بما نهاهم /عنه{[25258]} .

فمعنى { بأحسنها } : ليس أنهم يتركون شيئا من الحسن ، إنما يعملون بالمعروف ولا يعملون بالمنكر .

وقيل المعنى : { بأحسنها{[25259]} } لهم ، وهو العمل بما أمروا به ، والانتهاء عما نهوا .

وقيل : ليس أفعل للتفضيل ، إنما هو [ بمعنى{[25260]} ] اسم الفاعل ، كما قيل : " الله أكبر " بمعنى : كبير . فالمعنى : يأخذوا بالحسن من ناحيتها وجنسها وما يدخل تحتها ( به ){[25261]} .

وقيل إن المعنى : { وامر قومك } يعملون بأحسن ما هو لهم مطلق مثل : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل{[25262]} } . ثم قال : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الامور{[25263]} } . فالانتقام جائز ، ( والعفو جائز{[25264]} ) ، والعفو أحسن ، فكذلك أمروا أن يعملوا بأحسن ما أبيح لهم فعله .

وقيل المعنى{[25265]} : إن التوراة كلها حسنة لكن فيها : أقاصيص الإحسان ، والإساءة والطاعة ، والمعصية ، والعفو ، والنقمة ، فأمروا أن يأخذوا بأحسن هذه الأفعال التي نُصَّتْ عليهم . ومنه قوله : { يستمعون القول فيتبعون أحسنه{[25266]} } . فإن قيل : إن فيها حكاية الكفر ، والشرك ، " وأفعل " يوجب التفضيل ، فهل في هذا حسن دون غيره ، فذلك جائز كما قال : { ولعبد مومن خير من مشرك{[25267]} } .

وقوله : { سأوريكم دار الفاسقين }[ 145 ] .

( هو{[25268]} ) تهديد وتوعد لمن لم يأخذ بأحسنها وخالف ما فيها{[25269]} ، والكلام دل على ذلك .

و{ دار الفاسقين } : النار . وهو قول مجاهد{[25270]} ، والحسن{[25271]} .

وقال قتادة : { دار الفاسقين } : منازل الكافرين الذين سكنوا قبلهم من الجبابرة والعمالقة ، وهي الشام{[25272]} .

وقيل المعنى : { سأوريكم دار [ الفاسقين ]{[25273]} } ، فرعون وقومه ، وهي مصر{[25274]} .

قال ابن جبير{[25275]} : رفعت لموسى ، ( عليه السلام{[25276]} ) ، ( حتى{[25277]} ) نظر إليها{[25278]} .

قال قتادة : { دار الفاسقين } ، منازلهم التي كانوا يسكنونها تحت يدي فرعون{[25279]} .

وقيل المعنى : { سأوريكم } مصير الفاسقين في الآخرة ، وما أعد لهم من أليم{[25280]} العذاب{[25281]} .


[25230]:في ر: صم: صلى الله عليه وسلم.
[25231]:في ج: في الألواح.
[25232]:في ج: عن الله، أو من الله.
[25233]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[25234]:ما بين الهلالين ساقط من ج. وفي ر: جلت عظمته.
[25235]:جامع البيان 13/106، بتصرف.
[25236]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[25237]:معاني القرآن للزجاج 2/375.
[25238]:ما بين الهلالين ساقط من ج. وفي ر، رمز: صم: صلى الله عليه وسلم.
[25239]:في ج: فقال.
[25240]:في ر: الله عز وجل.
[25241]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[25242]:انظر: المصدر السابق.
[25243]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[25244]:زيادة من (ج) و(ر) وجامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[25245]:في الأصل: قد ألاك. وهو تحريف.
[25246]:في الأصل: فلت، وهو تحريف.
[25247]:الحديد آية 21.
[25248]:في ج: فقال.
[25249]:كذا في المخطوطات الثلاث، وفي مصدري التوثيق أسفله، هامش 16: بلى، وهو الصواب. انظر: مغني اللبيب 153، 154.
[25250]:أي: غلبه في الخصومة، وهو من باب ضرب. المختار /خصم.
[25251]:ما بين الهلالين ساقط من ج. وفي ر، رمز: صم: صلى الله عليه وسلم. والأثر في جامع البيان 13/107، والدر المنثور 3/550. وقد تصرف مكي في نقله تصرفا يسيرا. كعادته. وهو ضعيف الإسناد جدا، كما نص الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان. وزاد" واحتجاج آدم وموسى عليهما السلام، روى خبره البخاري ومسلم، وسائر كتب السنن".
[25252]:في "ج" و"ر" وقوله.
[25253]:وهو قول ابن عباس، والسدي في جامع البيان 13/109، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1565، والدر المنثور 3/561.
[25254]:وهو قول الربيع بن أنس في جامع البيان 13/109، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1565، والدر المنثور 3/561.. وتنظر أقوال أخرى في تفسير الماوردي 2/260، وزاد المسير 3/259.
[25255]:في ر: والهاء.
[25256]:انظر: الكشاف 2/152، والبحر المحيط 4/386، والدر المصون 3/340، وحاشية الجمل على الجلالين 3/110، وفتح القدير 2/279.
[25257]:انظر: المصادر نفسها.
[25258]:انظر: جامع البيان 13/109، 110، فالفقرة مستخلصة منه.
[25259]:في ج: وقيل المعنى: بأحسن ما لهم. وفي ر: أفسدته الرطوبة والأرضة.
[25260]:زيادة من (ج) و(ر) أفسدته الرطوبة والأرضة.
[25261]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[25262]:الشورى: 38.
[25263]:الشورى: 40.
[25264]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[25265]:في الأصل: وقيل إن المعنى. وأثبت ما في ج، و ر.
[25266]:الزمر: 17.
[25267]:البقرة: 219. وبشأن معنى قوله تعالى :{بأحسنها}، انظر: معاني القرآن للزجاج 2/375، وتفسير الماوردي 2/260، والكشاف 2/152، وزاد المسير 3/259، وتفسير الرازي 7/248، وتفسير القرطبي 7/119، والبحر المحيط 4/386.
[25268]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[25269]:انظر: جامع البيان 13/110، والمحرر الوجيز 2/453، وزاد المسير 3/260، وتفسير الرازي 7/248.
[25270]:التفسير 343، وتفسير هود بن محكم الهواري 2/45، وجامع البيان 13/111، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1566، والدر المنثور 3/562، بلفظ: "مصيرهم في الآخرة".
[25271]:جامع البيان 13/111، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1566، وتفسير الماوردي 2/261، وتفسير البغوي 3/282ن والدر المنثور 3/562، بلفظ: "جهنم".
[25272]:المحرر الوجيز 2/453، وزاد المسير 3/260، وتفسير الرازي 7/248، وتفسير القرطبي 7/179.
[25273]:زيادة من "ر".
[25274]:وهو قول عطية العوفي، كما في تفسير البغوي 3/282، وزاد المسير 3/260، والبحر المحيط 4/378، وعزي فيه أيضا إلى: علي، وقتادة، ومقاتل. وساقه الماوردي في تفسيره 2/261، من غير عزو.
[25275]:في ج: قال مجاهد، وهو سهو ناسخ.
[25276]:ما بين الهلالين ساقط من ج. وفي ر، رمز: صم: صلى الله عليه وسلم.
[25277]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[25278]:تفسير ابن أبي حاتم 5/1566، والدر المنثور 3/562.
[25279]:المحرر الوجيز 2/453، بلفظ: "....، مصر والمراد آل فرعون"، وانظر: تفسير هود بن محكم الهواري 2/45، وزاد المسير 3/260، وتفسير القرطبي 7/179.
[25280]:في الأصل: اليوم، وهو تحريف محض.
[25281]:انظر: جامع البيان 13/110. وهذا القول شبيه بقول مجاهد السالف ذكره.