الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (148)

قوله : { واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم ( عجلا ){[25315]} } إلى قوله{[25316]} : { من الخاسرين }[ 148 ، 149 ] .

قوله : { حليهم } ، واحده{[25317]} : حَلي ، مثل : فعل . وباب " فعل " أن يجمع في أكثر العدد على : فعول ، فأصله : حُلوي ، ك " قلب وقلوب " ، ثم أدغمت الواو في الياء لسكونها{[25318]} قبلها ، فصارت " حُلُيٌّ " فاجتمع{[25319]} ضمان ، بعدهما ياء شديدة ، فاستثقل ذلك ، فكسرت " اللام " {[25320]} وبقيت " الحاء " على ضمتها لتدل{[25321]} على أنه جمع ، [ و{[25322]} ] على أن الأصل في " اللام " الضم{[25323]} ، إذ ليس في الكلام " فعيل " .

ومن كسر{[25324]} " الحاء " ، أتبعها كسرة " اللام " ليعمل اللسان من حيز{[25325]} واحد{[25326]} .

والمعنى : إن بني إسرائيل اتخذوا العجل الذي صاغ لهم السامري إلها ، بعد مضي موسى ( عليه السلام{[25327]} ) ، إلى ميقات ربه ، ( عز وجل{[25328]} ) ، وقال لهم السامري : هذا إلهكم وإله موسى قد نسيه عندكم ، ومضي يطلبه ، وكان قد صاغه لهم من حلي بني إسرائيل الذي استعاروه من القبط ، إذ خرجوا مع موسى ، ( صلى الله عليه وسلم{[25329]} ) ، وروي أن موسى أمرهم بذلك{[25330]} .

ومعنى : { جسدا } ، [ 148 ] ، أي : لا رأس له . قيل : كان جثة لا رأس له{[25331]} .

وقيل : معنى { جسدا } ، أي : جثة لا يعقل ولا يميز{[25332]} .

{ له خوار }[ 148 ] .

أي : صوت البقر ، فَضَلَّ هؤلاء بما لا يجوز أن يَضِلَّ به أهل العقول{[25333]} .

{ ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا }[ 148 ] .

أي : لا يرشدهم طريقا ولا يكلمهم ، وليس هذا من صفات الرب الذي له العبادة ، بل صفته أنه يكلم أنبياءه{[25334]} ، ويرشدهم إلى طريق الخير{[25335]} .

ثم قال تعالى : { اتخذوه وكانوا ظالمين }[ 148 ] .

أي : اتخذوا العجل إلها ، { وكانوا ظالمين } في ذلك ، أي : واضعين الشيء في غير موضعه{[25336]} .

{ جسدا } ، وقف{[25337]} عند نافع . والحسن أن يوقف على : { له{[25338]} خوار{[25339]} } ؛ لأنه من صفته{[25340]} .


[25315]:ما بين الهلالين ساقط من (ج) و(ر).
[25316]:في الأصل: إلى قومه، وهو تحريف محض.
[25317]:في الأصل: وأخذه، بخاء وذال معجمتين، وهو تصحيف.
[25318]:في الأصل: ولسكونها، ولا يستقيم بها السياق.
[25319]:كذا في المخطوطات الثلاث، وفي الحجة لأبي زرعة 296: فاجتمعت ضمتان.
[25320]:لمجيء الياء، فصارت: "حُلِيٌّ"، كما في الحجة لأبي زرعة 296.
[25321]:في ج: ليدل.
[25322]:زيادة من ج.
[25323]:وهي قراءة ابن كثير، ونافع وأبي عمرو، وعاصم، وابن عامر. الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/477، والتبصرة 207، وكتاب السبعة في القراءات 294، وإعراب القرآن للنحاس 2/150، وإعراب القراءات السبع لابن خالويه 1/207، والحجة لأبي زرعة 296، وزاد المسير 3/261، والدر المصون 3/343. وهذه القراءة هي الأثيرة عند مكي في الكشف: "والضم هو الاختيار؛ لأنه الأصل؛ ولأن عليه أكثر القراء".
[25324]:وهي قراءة حمزة، والكسائي، المصادر السالفة، ص: 301، هامش 13.
[25325]:في الأصل: من حين، وهو تحريف.
[25326]:انظر: الكشف 1/448، وحجة القراءات لأبي زرعة 296.
[25327]:ما بين الهلالين ساقط من ج. وفي "ر": رمز: صم: صلى الله عليه وسلم.
[25328]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[25329]:انظر: المصدر السابق.
[25330]:انظر: جامع البيان 13/88، 89 و117، والمحرر الوجيز 2/455، وتفسير القرطبي 7/181.
[25331]:وهذا تعلق بأن الجسد في اللغة: ما عدا الرأس، كما في المحرر الوجيز 2/455. وانظر: البحر المحيط 4/390.
[25332]:هو قول الزجاج في معاني القرآن 2/377. وهو في زاد المسير 3/261، من غير عزو. قال ابن الأنباري: "ذكر الجسد دلالة على عدم الروح منه، وأن شخصه شخص مثال وصورة، غير منضم إليها روح ولا نفس". زاد المسير 3/261.
[25333]:جامع البيان 13/117، بإيجاز.
[25334]:في الأصل: أنبياؤه، وهو خطأ ناسخ. وفي "ر": عبثت به الأرضة.
[25335]:جامع البيان 13/18، بتصرف.
[25336]:المصدر نفسه، بتصرف.
[25337]:في الأصل: وقفا، وهو خطأ ناسخ.
[25338]:من ج.
[25339]:في القطع والإئتناف 341: "وعن نافع: {عجلا جسدا}، تم، وخالفه أحمد بن جعفر، قال: التمام {له خوار}؛ لأن {له} من صلة {جسدا}". وانظر: المكتفى للداني 276، ومنار الهدى 151.
[25340]:في الأصل: من صفاته، وهو تحريف. قال السمين الحلبي في الدر المصون 3/344: "قوله: {له خوار} في محل النصب نعتا لـ{عجلا}، وهذا يقوي كون {جسدا} نعتا..". وانظر: إعراب القرآن للنحاس 2/151.