الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ} (172)

قوله : { وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم }[ 172 ] ، الآية .

حجة من قرأ " ذريات " بالجمع{[25961]} ، أنها الأعقاب المتناسبة{[25962]} الكثيرة{[25963]} .

ومن قرأ { ذرياتهم } ، بالتوحيد{[25964]} ، قال : إنها قد أُجمع عليها في قوله : { من ذرية آدم{[25965]} } ، ولا شيء أكثر من ذريته{[25966]} ( صلى الله عليه وسلم ){[25967]} ، فدلت على الكثير بنفسها{[25968]} .

ومعنى الآية : واذكر ، يا محمد ، { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم } ، أي : استخرج الأبناء من أصلاب الآباء ، فقررهم بتوحيده ، وأشهدهم على أنفسهم بإقرارهم ، أي : أشهد بعضا على بعض بالإقرار بالتوحيد{[25969]} .

قال ابن عباس : أخذ الله ( عز وجل{[25970]} ) ، الميثاق من ظهر آدم ( عليه السلام{[25971]} ) ، بنَعمان{[25972]} يعني : عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذريته{[25973]} ، فنثرهم بين يديه كالذر{[25974]} ، ثم كلمهم قَبَلاً{[25975]} ، فقال : { ألست بربكم قالوا بلى }{[25976]}[ 172 ] ، فأشهد بعضهم على بعض بذلك الإقرار{[25977]} .

وقال الضحاك : إن الله ( سبحانه{[25978]} ) ، مسح صلب آدم ، ( عليه السلام{[25979]} ) ، فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، فأخذ منهم الميثاق : أن يعبدوه ، ولا يُشركوا به شيئا ، وتكفل لهم بالأرزاق ، ثم أعادهم في صلبه ، فلن تقوم{[25980]} الساعة حتى يولد من أعطي الميثاق يومئذ ، فمن أدرك منهم الميثاق ( الآخر ){[25981]} فوفى به ، نفعه{[25982]} الميثاق الأول ، ومن أدرك ( الميثاق ){[25983]} الآخر فلم يف به ، لم{[25984]} ينفعه الأول ، ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر ، مات على الميثاق الأول على الفطرة . روى ذلك عن ابن عباس{[25985]} .

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان يهودانه أو ينصرانه " {[25986]} .

والميثاق الأول ، هو : ما أخذه الله ( عز وجل{[25987]} ) ، عليهم إذ أخرجهم{[25988]} من ظهر آدم ، ( عليه السلام{[25989]} ) .

والميثاق الآخر ، هو : قبول فرائض الله ( سبحانه{[25990]} ) ، والإيمان به ، وبرسالة النبي عليه السلام ، وبما جاءت به الرسل{[25991]} .

وروى ابن{[25992]} عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " أخذوا من ظهره ، كما يُؤْخذ بالمشط من الرأس ، فقال لهم : { ألست بربكم قالوا بلى } ، قالت الملائكة : { شهدنا أن تقولوا يوم القيامة } " {[25993]} .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم{[25994]} ، يقول : إن الله جل وعز{[25995]} ، خلق آدم ( عليه السلام{[25996]} ) ، ثم مسح ظهره بيمينه ، ( سبحانه{[25997]} ) ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : " خلقت هؤلاء للجنة{[25998]} ، وبعمل أهل الجنة يعملون " . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : " [ خلقت ]{[25999]} هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون " .

فقال/رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ فقال : إن الله ( تعالى{[26000]} ) ، إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة ، فيدخله الجنة . وإذا خلق العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار ، فيدخله النار " {[26001]} .

وقيل معنى : { وأشهدهم على أنفسهم }[ 172 ] ، دلهم على توحيده ؛ لأن كل بالغ سالم من العاهات ، يعلم ضرورة أن له ربا واحدا{[26002]} .

وقيل : إن الآية مخصوصة ؛ لأنه قال : { من بني آدم } ، فخرج من هذا من كان من ولد آدم ( عليه السلام{[26003]} ) ، لصلبه


[25961]:وهي قراءة: نافع، وابن عامر، وأبي عمرو. الكشف 1/483، وكتاب السبعة في القراءات 299، وحجة القراءات لأبي زرعة 301، والتيسير 94، والمحرر الوجيز 2/475، وزاد المسير 3/284.
[25962]:في الأصل: المتناشية، وهو تصحيف ليس بشيء.
[25963]:انظر: مزيد بيان في: الكشف 1/483، وحجة القراءات لأبي زرعة 301، 302، وتفسير القرطبي 7/202.
[25964]:وهي قراءة: ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي. المصادر السالفة في قراءة الجمع، ص: 379، هامش 8.
[25965]:مريم: 58. ومستهلها: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيئين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا...}الآية.
[25966]:أي: آدم.
[25967]:في "ج": صلى الله عليه.
[25968]:في الأصل: نفسه، وفي "ر": بنفسه.
[25969]:جامع البيان 13/222، بتصرف.
[25970]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25971]:ما بين الهلالين ساقط من "ج". وفي "ر"، رمز: صم صلى الله عليه وسلم.
[25972]:في الأصل، و"ر"، يعني: بِنعمان. وأثبت ما في "ج"، ومصادر التوثيق أسفله، هامش6. انظر جامع البيان 7/200.
[25973]:في الأصل، و"ر"، ذرية. وفي مصادر التوثيق أسفله، هامش 6: "كل ذرية ذرأها".
[25974]:الذر، جمع ذرة: ذرة: وهي أصغر النمل. المختار/ذرر.
[25975]:رآه قَبَلاً، بفتحتين، وقُبُلاً، بضمتين، وقِبَلاً، بكسر بعده فتح، أي: مقابلة وعيانا. المختار/قبل. انظر: إكمال الإعلام 2/495.
[25976]:تفسير النسائي 1/506، وانظر فيه تعليق محقيقه على الآثر، وجامع البيان 13/222، وانظر: فيه تعليق الشيخ شاكر على الأثر، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1613، وتفسير ابن كثير 2/261، وفيه تعليق مستفيض على الأثر، والدر المنثور 3/601، وفتح القدير 2/301، وفيه: "وإسناده لا مطعن فيه".
[25977]:وقوله: "فاشهد" إلى هنا، ليس من ألفاظ الأثر، وإنما هو زيادة من مكي.
[25978]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25979]:ما بين الهلالين ساقط من ج. وفي "ر" رمز: صم صلى الله عليه وسلم.
[25980]:في الأصل: فلن تقام. وأثبت ما في "ج"، و"ر"، ومصدري التوثيق، ص:382، هامش 5.
[25981]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25982]:في الأصل: نفعله، وهو تحريف ليس بشيء.
[25983]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25984]:في الأصل ولم، ولا يستقيم به السياق.
[25985]:جامع البيان 13/230، والدر المنثور 3/602.
[25986]:أخرجه البخاري في صحيحه-حديث 1385.
[25987]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[25988]:في الأصل: إذ خرجهم.
[25989]:ما بين الهلالين ساقط من "ج". وفي "ر" رمز: صم صلى الله عليه وسلم.
[25990]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25991]:في "ج"، و"ر": والإيمان به وبرسله، وبما جاءت به الرسل.
[25992]:كذا في المخطوطات الثلاث. وفي جامع البيان الذي نقل عنه مكي: "...عن عبد الله بن عمرو..."، وهو الصواب، إن شاء الله.
[25993]:انظر: جامع البيان 13/232، و250، مع تعليق الشيخ شاكر، وتفسير ابن كثير 2/262، 264، وفتح القدير 2/301، وتحرف فيه: عبد الله بن عمرو، إلى عبد الله بن عمر، كما هنا.
[25994]:في "ج": عليه السلام.
[25995]:في "ج": عز وجل.
[25996]:ما بين الهلالين ساقط من "ج"، وفي "ر" رمز: صم صلى الله عليه وسلم.
[25997]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
[25998]:في الأصل: الجنة.
[25999]:زيادة من "ج" و"ر" ومصادر التوثيق، ص: 284، هامش 2.
[26000]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26001]:انظر: التفسير المأثور عن عمر بن الخطاب 390، وما بعدها، وتفسير النسائي 504، تعليق محقيقه، وجامع البيان 13/234، مع تعليق الشيخ شاكر، وتفسير ابن كثير 2/262.
[26002]:إعراب القرآن للنحاس 2/161، من دون قوله: "سالم من العاهات"، ومعاني القرآن للزجاج 2/390.
[26003]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".