الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّـٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (176)

ثم قال تعالى : { ولو شئنا لرفعناه بها }[ 176 ] .

أي : لرفعناه بعمله{[26110]} { بها } .

وقيل المعنى : { لرفعناه عن الحال التي صار إليها من الكفر{[26111]} .

وقال مجاهد : { لرفعناه بها } ، ( أي ){[26112]} : لرفعنا عنه{[26113]} . أي : لعصمناه مما فعل{[26114]} .

وقيل المعنى : لأمتناه قبل أن يعصي فرفعناه إلى الجنة{[26115]} .

{ بها }[ 176 ] .

[ أي ]{[26116]} : بتلك الآيات{[26117]} .

{ ولكنه أخلد إلى الارض }[ 176 ] .

أي : سكن إلى الدنيا وشهواتها{[26118]} ، { واتبع{[26119]} هواه }[ 176 ] .

وأصل 'الإخلاد " : الإقامة{[26120]} .

قال المعتمر بن سليمان عن أبيه : كان بلعام رجلا ، أوتي النبوة ، وكان مُجاب الدعوة ، وإن موسى ( عليه السلام ){[26121]} ، أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام فرعب الناس ، وأتوا بلعام ، وسألوه أن يدعو على موسى ، ( عليه السلام ) ، وجنده فقال : حتى أؤامر ربي ( عز وجل{[26122]} ) ، فوامر في الدعاء عليهم ، فنهي عن ذلك ، فقال لقومه : قد أمرت ألا أدعوا ، فأهدوا إليه هدية فقبلها ، ثم راجعوه أن يدعو على موسى ( عليه السلام{[26123]} ) ، فقال : حتى أؤامر ربي ؛ فوامر ولم يؤمر بشيء ، فقال لهم : قد وامرت ، فلم أؤمر بشيء فقالوا : لو كره{[26124]} الله ( عز وجل{[26125]} ) ذلك لنهاك كما نهاك أولا فأخذ يدعو على موسى ( عليه السلام{[26126]} ) ، فرد الله ( عز وجل{[26127]} ) لسانه بالدعاء على قومه ، فأخذ يدعو بالفتح لقومه ، فرد الله ( عز وجل ){[26128]} ، لسانه بالدعاء بالفتح لموسى ( عليه السلام{[26129]} ) ، وقومه ، فقالوا : ما نراك تدعوا إلا علينا قال : ما يجري لساني إلا هكذا ، ولو دعوت عليه ما استجيب لي ، ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم : إن الله ( عز وجل{[26130]} ) ، يبغض الزنا ، وإنهم إن وقعوا بالزنا هلكوا ، فأخرجوا النساء يستقبلنهم ، فإنهم قوم مسافرون ، فعسى أن يزنوا فيهلكوا ، وكان للملك ابنة ذات جمال ، فقيل لها : لا تمكِّني نفسك إلا من موسى ! قال : ووقعوا في الزنا ، وأتاها رأس{[26131]} سبط من أسباط بني إسرائيل ، فأرادها على نفسها ، فقالت : ما أنا بممكنة{[26132]} نفسي إلا من موسى ! وروادها عن نفسها ، فأرسلت إلى أبيها فقال لها : أمكنيه{[26133]} ( من نفسك{[26134]} ) ، فلما أمكنته{[26135]} ، أتاها رجل من بني هارون معه رمح فانتظمها جميعا ، فرفعهما على رمحه . فرآهما الناس ثم سلط الله ( عز وجل{[26136]} ) ، عليهم الطاعون ، فمات منهم سبعون ألفا .

قال سيار{[26137]} : ركب بلعام حمارة له ، فجعل يضربها فلا تتقدم . قال : وقامت عليه ، وقالت : علام{[26138]} تضربني ؟ ألا{[26139]} ترى هذا الذي بين يديك ! أنطق الله ، ( عز وجل{[26140]} ) ، الحمارة ، قال : فإذا الشيطان بين يديه . قال : فنزل فسجد له ، فذلك انسلاخه{[26141]} .

وروي أنه لما دعا على موسى ( عليه السلام{[26142]} ) ، تكلم لسانه بالدعاء على قومه ، ثم اندلع{[26143]} لسانه فوقع على صدره ، فقال لهم : ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة ، فلم يبق إلا المكر والحيلة ، وسأمكر{[26144]} لكم وأحتال : جمِّلوا النساء ، وأعطوهن السلع ، ثم أرسلوهن إلى العسكر ، ومروهن إلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ، فإنهم إن زنى رجل واحد منهم كفيتموهم ؛ فوقع رجل من عظماء بني إسرائيل بامرأة ، فأرسل الله ( عز وجل{[26145]} ) ، الطاعون فيهم ، فهلك منهم سبعون ألفا{[26146]} .

ثم قال الله تعالى{[26147]} : { فمثله كمثل الكلب }[ 176 ] .

أي : مثله ، إذ{[26148]} لم ينتفع بما أوتي مثل /الكلب الذي لا ينتفع بترك الحمل عليه ، هو يلهث على كل حال . فكذلك هذا ، هو ضال على كل حال ، لا ينتفع بما أوتي من الآيات ، كما لم ينتفع الكلب بترك الحمل عليه .

وقيل : إن هذا مثل من{[26149]} يتلو كتاب الله ( عز وجل{[26150]} ) ، ولا يعمل به{[26151]} ، هو مثل الكلب لا ينتفع بترك الحمل عليه{[26152]} ، ولا يترك اللهث . كذلك هذا لا ينتفع بقراءة{[26153]} كتاب الله ( عز وجل{[26154]} ) ، فيعمل . هو مثل من لا يقرأه ولا يعمل{[26155]} به .

ومعنى { تحمل عليه }[ 176 ] .

تطرده وتشرده{[26156]} ، فهو يلهث طردته [ أو تركته ]{[26157]} .

وكان الحسن يقول : هو المنافق{[26158]} .

قال قتادة : هو مثل ضربه الله ( عز وجل{[26159]} ) ، لكل من عُرض عليه الهدى فلم يقبله{[26160]} .

قال السدي وغيره : كان بلعم ، بعد ذلك ، يلهث كما يلهث الكلب{[26161]} .

قوله : { واتبع هواه }[ 176 ] ، وقف{[26162]} .

{ أو تتركه يلهث }[ 176 ] ، وقف{[26163]} .

ثم قال تعالى : { ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا }[ 176 ] .

أي : ذلك المثل الذي ضربته لهذا{[26164]} الذي انسلخ من آياتنا { مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا }{[26165]} .

{ فاقصص القصص }[ 176 ] .

أي : اقصص عليهم هذا القصص الذي اقتصصته عليك من نبأ الذي آتيناه [ آياتنا ]{[26166]} ، ( وما حل به من عقوبتنا{[26167]} ، { لعلهم يتفكرون }[ 176 ] ، أي : يعتبرون فيعلموا{[26168]} صحة نبوتك ، إذ كان نبأ { الذي آتيناه آياتنا{[26169]} } من خفي{[26170]} علومهم ، ومكنون أخبارهم ، لا يعلمه إلا من قرأ الكتب ودرسها . وفي إخبارك ذلك لهم{[26171]} وأنت أمِّي لم تقرأ ولم تدرس ، دليل على نبوتك ، وصدق قولك ، وأن ذلك عندك بوحي من السماء{[26172]} .


[26110]:كذا في المخطوطات الثلاث. وفي جامع البيان الذي نقل عنه مكي: بعلمه. والتفسير هو لابن عباس في جامع البيان 13/268.
[26111]:جامع البيان 13/268، بلفظ: "وقال آخرون: معناه: لرفعنا عنه الحال التي صار إليها من الكفر بالله، بآياتنا".
[26112]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26113]:التفسير 347، وجامع البيان 13/268، والدر المنثور 3/611، بلفظ: لدفعنا عنه، بدال مهملة، وليس براء مهملة، كما ورد في المخطوطات الثلاث. وفي زاد المسير 3/290: "...، لو شئنا لرفعنا عنه الكفر بآياتنا، وهذا المعنى مروي عن مجاهد".
[26114]:انظر: تفسير الماوردي 2/280.
[26115]:وهو قول النحاس في إعراب القرآن 2/163. وتمامه: {بها}، أي: بالعمل بها. قال الطبري في جامع البيان 13/269،: "وأولى الأقوال في ذلك الصواب أن يقال: إن الله عمَّ الخبر بقوله: {ولو شئنا لرفعناه بها}،...، و"الرفع" يعم معاني كثيرة، منها: الرفع في المنزلة عنده، ومنها: الرفع في شرف الدنيا ومكارمها، ومنها: الرفع في الذكر الجميل والثناء الرفيع. وجائز أن يكون الله عنى كل ذلك... وإذا كان ذلك جائزا، فالصواب من القول فيه أن لا يخص منه شيء، إذ كان لا دلالة على خصوصه من خبر ولا عقل".
[26116]:زيادة من "ج" و"ر".
[26117]:وهو تفسير ابن زيد في جامع البيان 13/269، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1619.
[26118]:جامع البيان 13/261، باختصار.
[26119]:في المخطوطات الثلاث: "فاتبع"، وأثبت نص التلاوة ومعناه عند الطبري 13/261: "ورفض طاعة الله وخالف أمره".
[26120]:جامع البيان 13/270، بلفظ: "وأصل الإخلاد في كلام العرب، الإبطاء والإقامة. يقال منه: "أخلد فلان بالمكان"، إذا أقام به". انظر: معاني القرآن للفراء 1/399، ومجاز القرآن 1/233، وزاد المسير 3/290، وفيه: "وهذه الآية من أشد الآيات على أهل العلم إذا مالوا عن العلم إلى الهوى"، وتفسير القرطبي 7/204.
[26121]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" وفي "ر" رمز: صم صلى الله عليه وسلم.
[26122]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26123]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" وفي "ر"، رمز: صم.
[26124]:كره، تحرف في الأصل إلى: ذكره.
[26125]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26126]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" وفي "ر" رمز: صم صلى الله عليه وسلم.
[26127]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26128]:جامع البيان 13/261 باختصار.
[26129]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" وفي "ر" رمز: صم.
[26130]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26131]:في الأصل،...في الزنا والمنكر سبط من أسباط...، وفيه اضطراب وسقط. وفي "ر":...في الزنا وأتابا ناس، وهو تحريف سيء لا معنى له. وأثبت ما في "ج"، وجامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[26132]:في الأصل: ما أمكنه نفسي، وهو تحريف.
[26133]:في الأصل: أمكنية، وهو تصحيف.
[26134]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" وفي "ر" أفسدته الرطوبة والأرضة.
[26135]:في الأصل: أمكنت، وهو تحريف. وفي "ر" مطموسة بفعل الأرضة والرطوبة.
[26136]:ما بين الهلاليين ساقط من "ج".
[26137]:في الأصل: قال سيان، وهو تحريف مضى تصويبه. وفي ج: قال بلعام: فركب سيار...، وفوق كلمة "بلعام" و"سيار" صاد صغيرة، دلالة على فسادها، ولم تصححا في الهامش.
[26138]:في الأصل: غلام، بغين معجمة، وهو تصحيف.
[26139]:في "ج": أما.
[26140]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26141]:جامع البيان 13/261، وما بعدها، وتفسير ابن كثير 2/265، 266، بتصرف يسير في بعض عباراته.
[26142]:ما بين الهلالين ساقط من "ج". وفي "ر"، مطموس بفعل الأرضة والرطوبة.
[26143]:في الأصل، "ر": اندلغ، بغين معجمة، وهو تصحيف. قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان، المصدر السابق: "اندلع لسانه": خرج من الفم، واسترخى، وسقط على العنفقة كلسان الكلب".
[26144]:في الأصل: وبها أمكر لكم. وأثبت ما في "ج" و"ر"، وجامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[26145]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26146]:جامع البيان 13/264، وما بعدها، باختصار.
[26147]:في "ج": عز ذكره.
[26148]:في "ر": إذا لم.
[26149]:في "ج"، و"ر": مثل فيمن.
[26150]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26151]:وهو قول مجاهد في تفسيره 347، وجامع البيان 13/272، وتفسير البغوي 3/305، بلفظ...،" هو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به". انظر: تفسير القرطبي 7/205.
[26152]:فوق كلمة "عليه" صاد صغيرة، دلالة على فسادها، ولا موضع للفساد هنا.
[26153]:في "ج": لا ينتفع بكتاب الله فيعمل.
[26154]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26155]:ولا يعمل به، لحق في "ج".
[26156]:في الأصل: وتشدده، بدالين مهملتين. وفي جامع البيان 13/273: "وأما {تحمل عليه}، فتشد عليه. وأثبت ما في "ج" و"ر".
[26157]:زيادة من "ج" و"ر".
[26158]:جامع البيان 13/273.
[26159]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26160]:جامع البيان 13/273، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1618، والدر المنثور 3/610، بزيادة: "وتركه".
[26161]:جامع البيان 13/273، بدون: "بعد ذلك".
[26162]:وهو تام، عند ابن مجاهد ونافع، كما في: القطع والإئتناف 344. وكاف في: المكتفى 280. وينظر: منار الهدى 154.
[26163]:وهو كاف في: القطع والإئتناف 344، والمكتفى 280، والمقصد لتلخيص ما في المرشد 154.
[26164]:في "ر": بهذا.
[26165]:جامع البيان 13/274، بتصرف.
[26166]:زيادة من "ج" و"ر".
[26167]:في الأصل: من عقابتنا، وهو تحريف.
[26168]:في الأصل: فيعملوا، وهو تحريف.
[26169]:ما بين الهلالين ساقط من "ج"، بسبب انتقال النظر.
[26170]:في الأصل، و"ر": من خفا.
[26171]:في الأصل و"ر"، وفي إخبارك لعلهم ذلك وأنت، ولا معنى له. وأثبت ما اجتهدت في قراءته في "ج". وفي جامع البيان الذي نقل عنه مكي: "وفي علمك بذلك وأنت أمِّي".
[26172]:جامع البيان 13/274، بتصرف.