الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ قَالَتۡ أُمَّةٞ مِّنۡهُمۡ لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ قَالُواْ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (164)

فقالوا : { لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا }[ 164 ]{[25777]} .

{ لا تاتيهم } ، وقف ، عند نافع ، والأخفش{[25778]} .

ثم قال تعالى : { وإذ قالت أمة منهم{[25779]} }[ 164 ] .

أي : واذكر يا محمد ، إذ قالت طائفة من أهل [ هذه ]{[25780]} القرية ، إذ ظهر من أكثرهم ما يُنْكَرُ عليهم ، فأنكر ذلك طائفة ، فقالت هذه الطائفة التي حكى الله عنها ، للطائفة التي أنكرت ما يجب أن ينكر : { لم تعظون قوما } سيلحقهم أحد هذين : العذاب ، أو الهلاك ، قالت الطائفة التي أنكرت : { معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون }[ 164 ]{[25781]} .

فمن رفع : { معذرة }{[25782]} فتقديره : قالوا : موعظتنا معذرة ، أي : إنما يجب علينا أن نأمر بالمعروف ، [ وننهى عن المنكر ]{[25783]} ، { ولعلهم يتقون }{[25784]} ، وعظناهم .

ومن نصب{[25785]} : فعلى المصدر ، كأنهم{[25786]} قالوا : اعتذارا{[25787]} .

وقيل : النصب على تقدير : فعلنا ذلكعذرة .

وروي{[25788]} وجها النصب عن الكسائي{[25789]} .

وفرق سيبويه بين الرفع والنصب ، واختار الرفع ، قال : لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا من أمر لِيُموا عليه ، ولكنهم قيل لهم : لم{[25790]} وعظتم ؟ فقالوا : موعظتنا معذرة .

ولو قال رجل لرجل : معذرة إلى الله ، ثم إليك من كذا ، يريد : اعتذارا ، لنصب{[25791]} ؛ لأنه إنما اعتذر{[25792]} من أمر ليم عليه{[25793]} .

والمعنى : واذكر ، يا محمد ، { وإذ قالت أمة منهم } ، أي : جماعة لجماعة ، كانوا ينهون أهل المعصية عن معصيتهم ، { لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا } قال الذين كانوا يعظون : عظتنا معذرة إلى ربكم ، نؤدي{[25794]} بذلك{[25795]} فرضه عليها ، { ولعلهم يتقون } وعظناهم{[25796]} .

قال ابن عباس : كلا الطائفتين كانت تنهى{[25797]} الباقين عن المنكر ، فلما طال ذلك ، قالت إحدى الطائفتين للأخرى : { لم تعظون قوما الله مهلكهم } ، فلما نزل العذاب نجت الطائفتان : التي قالت : { لم تعظون قوما } ، والتي قالت : { معذرة إلى ربكم } ، وأهلك الله ، ( عز وجل{[25798]} ) ، أهل المعصية ، فجعلهم قردة وخنازير{[25799]} .

قال السدي : قال الواعظون{[25800]} بعضهم لبعض : { لم تعظون قوما الله مهلكهم }{[25801]} .

وروي عن ابن عباس ، وغيره ، أنه قال : كانوا أثلاثا ، ثلث نهوا ، وثلث قالوا : { لم تعظون } ، وثلث أصحاب الخطيئة ، فما نجا إلا الذين نهوا{[25802]} .


[25777]:تفسير هود بن محكم الهواري 2/55.
[25778]:القطع والإئتناف 343، بلفظ: "...فإن الأخفش قال هاهنا تم الكلام، وكذا روي عن نافع وأبي عبد الله. انظر: المقصد 152، ومنار الهدى 152.
[25779]:في "ج"، زيادة: {لم تعظون قوما}.
[25780]:زيادة من "ج" و"ر".
[25781]:انظر: جامع البيان 13/184، 185.
[25782]:وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي. الكشف 1/481، وكتاب السبعة في القراءات 296، والتيسير 94، والمحرر الوجيز 2/468، وزاد المسير 3/277. معذرة لحق في "ج.
[25783]:زيادة من ج. وينظر: جامع البيان 13/185.
[25784]:قال ابن عطية في المحرر الوجيز 2/469: يقتضي الترجي المحض؛ لأنه من قول آدميين".
[25785]:وهي قراءة حفص عن عاصم. الكشف 1/481، وإعراب القراءات السبع وعللها 1/210، وحجة القراءات لأبي زرعة 300، والتيسير 94، وزاد المسير 3/277.
[25786]:في الأصل: كا أنهم، وهو سهو ناسخ.
[25787]:في جامع البيان 13/185: "...، بمعنى إعذارا وعظناهم وفعلنا ذلك". وينظر: معاني القرآن للفراء 1/398، وإعراب القراءات السبع وعللها 1/210.
[25788]:في "ج": روي.،
[25789]:إعراب القرآن للنحاس1/157، 158، بتصرف يسير.
[25790]:في الأصل: قيل له: وعظتم، وفيه تحريف وسقط، وصوابه من ج، و ر، ومصدر التوثيق أسفله.
[25791]:الكتاب1/320، ولم ينقل عنه مكي مباشرة، وإنما نقل عن النحاس في إعرابه 2/158، وتمام نصه: "وهذا من دقائق سيبويه، رحمه الله، ولطائفه التي لا يلحق فيها". وأورد اختيار سيبويه في مشكل إعراب القرآن 1/304.
[25792]:في "ج": عتذر، وهو سهو ناسخ.
[25793]:انظر تفسير القرطبي 7/195، والبحر المحيط 4/409، والدر المصون 3/361.
[25794]:في الأصل: تودي، وهو تصحيف.
[25795]:في "ج": لذلك.
[25796]:جامع البيان 13/184، 185، باختصار وتصرف. وقد سلف قريبا.
[25797]:في الأصل: تنهوا، وهو تحريف.
[25798]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25799]:جامع البيان 13/186، باختصار وتصرف.
[25800]:في الأصل: اعظون، وهو سهو ناسخ.
[25801]:جامع البيان 13/187، وتمام نصه: {...أو معذبهم عذابا شديدا}، يقول: لم تعظونهم، وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم؟ فقال بعضهم: {معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}.
[25802]:طرف من أثر طويل، أخرجه الطبري في جامع البيان 13/193، بسنده.