الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (175)

قوله : { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } ، إلى قوله : { يتفكرون }[ 175 ، 176 ] .

والمعنى : { واتل } يا محمد عليهم : { نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } ، وهو رجل من بني إسرائيل يقال له : بلعم بن باعر{[26065]} ، ( أعطي : معرفة اسم الله{[26066]} [ الأعظم ]{[26067]} .

وقيل : أعطي النبوة{[26068]} .

قال ابن عباس : بُلعم بن باعور{[26069]} .

وقال ابن جبير : كان معه اسم الله ، فسألوه أن يدعو على موسى وأصحابه ألا يدخل{[26070]} مدينتهم ، فأبى ، فخوفه الملك بالقتل والصلب والتحريق ، فدعا ، فاستجاب الله له ، فلم يصل موسى ( عليه السلام{[26071]} ) إلى دخولها{[26072]} ، ودعا موسى عليه أن ينسيه الله ، ( عز وجل{[26073]} ) ، اسمه الذي يدعو به ، فأنساه الله ، ( عز وجل ){[26074]} ، إياه ، ونزل فيه ما ذكره{[26075]} .

قال ابن عباس : كان من مدينة الجبارين{[26076]} .

وقيل عنه : كان من اليمن{[26077]} .

وقيل : هو أمية بن أبي الصلت الثقفي{[26078]} ، كان قد قرأ الكتب ، وعرف الوقت الذي يبعث فيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ويخبر الناس بذلك{[26079]} ، فلما بعث ، حسده وكفر به ، وقال : والله ما كنت لأؤمن بنبي من غير قومي ثقيف أبدا{[26080]} .

وقال عكرمة : هو من كان منافقا من أهل الكتابين{[26081]} .

قال الحسن : هو المنافق{[26082]} .

وقال الأنصار : هو الراهب الذي بني له مسجد الشقاق{[26083]} .

قال ابن زيد : كان لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه{[26084]} .

قال ابن عباس : أعطي كتبا من كتب الله{[26085]} .

وقال مجاهد : أوتي النبوة ، فرشاه قومه على أن يسكت ، ففعل ، وتركهم على ما هم عليه{[26086]} .

وكذلك قال المعتمر{[26087]} بن سليمان عن أبيه{[26088]} .

وهو قول مردود ؛ لأن النبوة لا يكون حاملها قابلا للرشوة{[26089]} فيها ، يعيذ الله الأنبياء من ذلك . وهذه كبيرة عظيمة ، وكل الناس على أن الأنبياء معصومون من الكبائر ، فغير جائز هذا القول الذي روي عن مجاهد ، والمعتمر{[26090]} .

وروى سيار{[26091]} عن مالك [ بن دينار ، أنه قال ]{[26092]} : بعث نبي الله موسى ( عليه السلام{[26093]} ) ، بلعام ، وكان مجاب الدعوة ، إلى ملك مدين يدعوه إلى الله ، فأقطعه{[26094]} وأعطاه ، فتبع دينه وترك دين موسى . ففيه نزلت هذه الآية{[26095]} : { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها }{[26096]} .

وقال السدي : أعطي اسم الله الأعظم{[26097]} .

وروي ذلك عن ابن عباس{[26098]} .

قال ابن عباس : لما نزل موسى عليه السلام بالجبارين ، سأل الجبارون بلعم بن ( باعور ){[26099]} أن يدعو على موسى ، فقال لهم : إني{[26100]} إن دعوت عليه ذهبت دنياي وآخرتي ، فلم يزالوا به حتى دعا عليه ، فسلخه الله مما كان عليه ، فذلك قوله : { فانسلخ منها }{[26101]} .

وعن ابن عباس ، { فانسلخ منها } : نُزع{[26102]} منه العلم{[26103]} .

{ فأتبعه الشيطان }[ 175 ] .

أي : أدركه{[26104]} . يقال : " أتبعه " : إذا أدركه . و : " تبعه " : /إذا سار في إثره{[26105]} . هذا الجيد .

وقيل : هما لغتان{[26106]} .

وقيل : معنى " أتبعه " : صيره لنفسه تابعا ينتهي إلى أمره في معصية الله سبحانه{[26107]} .

{ فكان من الغاوين }[ 175 ] .

أي : من الهالكين{[26108]} .

وقيل : من الخائنين{[26109]} .


[26065]:في الأصل: بعور، وهو تحريف. وفي "ر": باعور. وأثبت ما في ج. انظر: جامع البيان 13/252، وما بعدها، والتعريف والإعلام للسهيلي 112، وتفسير مبهمات القرآن للبلنسي 1/496، ومفحمات الأقران 96 .
[26066]:وهو قول السدي، وابن عباس، وابن زيد، كما في جامع البيان 13/257، 258.
[26067]:تكملة من جامع البيان 13/257، الذي نقل عنه مكي.
[26068]:وهو قول مجاهد، وسليمان بن طرخان التيمي، كما سيأتي. ومعنى الآية، موضوع التفسير، مستخلص من جامع البيان 13/252.
[26069]:جامع البيان 13/253، بلفظ: بلعم بن باعر. انظر: زاد المسير 3/287، والدر المنثور 3/608. وما بين الهلالين ساقط من "ر".
[26070]:في "ج": ألا يدخلوا. و"ألا" مصححة في الهامش.
[26071]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26072]:في ج: إلى دخوله.
[26073]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[26074]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
[26075]:والأثر لم أجده منسوبا إلى سعيد، فيما لدي من مصادر، ولكن ورد لغيره بروايات مختصرة ومطولة، ذكرها أهل التفسير. انظر: على سبيل المثال: جامع البيان 13/260، 261، وما بعدها، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1917، وتفسير ابن كثير 2/265، والدر المنثور 3/608. وبشأن سبب النزول، انظر جامع البيان 13/257، وأسباب النزول للواحدي 230، وتفسير البغوي 3/302، 303. وتفسير الرازي 8/57، وتفسير القرطبي 7/203، وتفسير ابن كثير 2/265.
[26076]:جامع البيان 13/255، بتصرف وتفسير القرطبي 7/57، وتفسير ابن كثير 2/265.
[26077]:المصدر نفسه، بتصرف، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1618.
[26078]:وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص، كما في جامع البيان 13/255، 256، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1616، وزاد المسير 3/287، وفيه: وسعيد بن المسيب، وأبو روق، وزيد بن أسلم. انظر: تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/243.
[26079]:في ج: ويخبر الناس به.
[26080]:انظر: المحرر الوجيز 2/477، وتفسير القرطبي 7/203، والبحر المحيط 4/421، وتفسير ابن كثير 2/264.
[26081]:تفسير الماوردي 2/279، وزاد المسير 3/288، مع اختلاف في اللفظ. وفي الأصل: الكتابيين.
[26082]:زاد المسير 3/287.
[26083]:في زاد المسير 3/287: "إنه أبو عامر الراهب، روى الشعبي عن ابن عباس قال: الأنصار تقول: هو الراهب الذي بُني له مسجد الشقاق، وروى عن ابن المسيب نحوه". انظر: تفسير ابن أبي حاتم 5/1617، وتفسير الرازي 8/58، والبحر المحيط 4/421، وفيه: "والأولى في مثل هذا إذا ورد عند المفسرين أن تحمل أقاويلهم على التمثيل لا على الحصر في معين، فإنه يؤدي إلى الاضطراب والتناقض". وقال أبو جعفر الطبري في جامع البيان 13/259، "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلو على قومه خبر رجل كان قد آتاه الله حُججه وأدلته، وهي "الآيات"... وجائز أن يكون الذي كان الله آتاه ذلك "بلعم"، وجائز أن يكون "أمية"...، ولا خبر بأي ذلك المراد، وأي الرجلين المعنى، يوجب الحجة، ولا في العقل دلالة على أي ذلك المعني به من أي: فالصواب أن يقال فيه ما قال الله، ونُقرُّ بظاهر التنزيل على ما جاء به الوحي من الله".
[26084]:جامع البيان 13/258، وتفسير ابن كثير 2/265.
[26085]:جامع البيان 13/258، بتصرف يسير. وفي "ر": عز وجل.
[26086]:جامع البيان 13/259، وتفسير الماوردي 2/279، وزاد المسير 3/288.
[26087]:في الأصل: المعتبر، وهو تحريف محض. وهو: معتمر بن سليمان بن طرخان، التيمي، أبو محمد البصري، ثقة، روى له الستة، توفي سنة 187هـ. انظر تهذيب التهذيب 4/117، وتقريب التهذيب 471.
[26088]:وهو: سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمر، البصري، نزل في بني تميم فنسب إليهم. ثقة. روى له الست. انظر: تهذيب التهذيب 2/99، وتقريب التهذيب 192. والأثر أخرجه الطبري يسنده في جامع البيان 13/259.
[26089]:في الأصل: للرشد، وهو تحريف ظاهر.
[26090]:وتُعقِّبَ هذا القول أيضا في: المحرر الوجيز 2/476، وتفسير الماوردي 2/279، وزاد المسير 3/288، وتفسير ابن كثير 2/265.
[26091]:في الأصل: وروي سيان عن مالك مدين يدعوه بعث نبي الله موسى...، وفيه تصحيف وتحريف وسقط. وصوابه من "ج" و"ر"، ومصادر التوثيق، ص: 397، هامش 4. وهو: سيار بن سلامة الرياحي، أبو المنهال، البصري. ثقة. روى له الستة. توفي سنة 129هـ. انظر: تهذيب التهذيب 2/142، وتقريب التهذيب 202.
[26092]:زيادة من "ج" و"ر".
[26093]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" وفي "ر" رمز: عم عليه السلام.
[26094]:أقطعه قطيعة، أي: طائفة من أرض الخراج. القاموس/قطع.
[26095]:سلف الكلام عن ذكر نزول الآية قريبا، والمصادر هناك.
[26096]:تفسير ابن أبي حاتم 5/1618، وتفسير القرطبي 7/203، بتصرف يسير، وتفسير ابن كثير 2/264، بدون قوله: فنزلت هذه الآية، والدر المنثور 3/610.
[26097]:انظر: جامع البيان 13/257، 258.
[26098]:انظر: المصدر نفسه، 258. ومضى الكلام قريبا، على أنه أوتي الاسم الأعظم. وتم توثيقه.
[26099]:ما بين الهلالين ساقط من "ج" و"ر".
[26100]:إني، تحرفت في الأصل إلى: أي. وهي مطموسة في "ج".
[26101]:جامع البيان 13/260، بتصرف.
[26102]:تحرفت في الأصل إلى: نزل.
[26103]:جامع البيان 13/261، والدر المنثور 3/610.
[26104]:تفسير المشكل من غريب القرآن 177، وغريب ابن قتيبة 174.
[26105]:غريب ابن قتيبة 174، بلفظ: "يقال أتبعت القوم: إذا لحقتهم، وتبعتهم: سرت في إثرهم".
[26106]:انظر: غريب القرآن وتفسيره لليزيدي 153، وزاد المسير 3/289، والبحر المحيط 4/421، 422.
[26107]:وهو قول الطبري في جامع البيان 13/261.
[26108]:جامع البيان 13/261، وتفسير الماوردي 2/280. انظر: تفسير ابن كثير 2/265.
[26109]:إعراب القرآن للنحاس 2/163. وفي الأصل: من الخائبين.