تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا} (72)

الآية72 : وقوله تعالى : { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا } قال بعضهم { ومن كان في هذه } الدنيا { أعمى } عن توحيد الله والإيمان به مع كثرة . آياته ودلالته{[11101]} على وحدانيته فهو عن الإيمان بالآخرة والبعث بعد الموت أعمى .

وقال بعضهم : { ومن كان في هذه أعمى } الدنيا { أعمى } عن الحق { فهو في الآخرة أعمى } عن حججه ، لأنه إذا عمي عن الحق فهو عن حججه أعمى ، فتكون { في } بمعنى عن ؛ إذ الآيات والدلالات على وحدانية الله أكثر وأظهر من الدلالة على البعث والآخرة ؛ إذ ليس شيء إلا وفيه أثر وحدانيته ودلالة ألوهيته ، ولا كذلك الآخرة ، فهو عن الإيمان بها أشد عمى .

وقال بعضهم : من عمي في هذه الدنيا عن الإيمان بالله فهو في الآخرة أعمى عن الإيمان به ، لأن الدنيا مما يقبل فيها الإيمان ، وفي/306-ب/الآخرة لا يقبل ، وهو ما قال : { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } ( سبإ : 54 ) أي { وحيل بينهم بين ما يشتهون } من الإيمان به كما فعل بأشياعهم من قبل ، أي كما حيل بين أشياعهم وبين الإيمان به عند معاينة بأس الله وعذابه ، وهو قول الحسن .

وقال أبو بكر قريبا من هذا ، وهو أن من عمي عن الرشد والحق في هذه الدنيا لجهله به فهو في الآخرة عند علمه بالرشد والحق أشد عمى ، أو كلام نحو هذا .

وقال بعضهم : من عمي قلبه في الدنيا عن الإيمان بالله والتوحيد له فهو في الآخرة أعمى الوجه والحواس كقوله : { لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا } ( طه : 125 ) وكقوله : { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما } الآية ( الإسراء : 97 ) ما ذكر : ذاهبة حواسهم ، لما تركوا الانتفاع بها في الدنيا لما جعلت لهم الحواس . ويشبه أن يكون قوله : { ومن كان في هذه أعمى } بالافتراء على الله { فهو في الآخرة أعمى } أي مفتر على الله أيضا كقوله : { ثم لم تكن فتنتهم إلا فنعمل غير الذي كنا نعمل } ( الأعراف : 53 ) ثم أخبر عنهم فقال{[11102]} : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون } ( الأنعام : 28 ) .

وقال قتادة : { ومن كان في هذه } الدنيا في ما أراه الله من آياته من خلق السماوات والأرض والجبال والنجوم { أعمى فهو في الآخرة } الغائبة عنه التي لم يرها { أعمى وأضل سبيلا } وهو قريب مما ذكرنا .

وقال ابن عباس رضي الله عنه { ومن كان في هذه } ( النعم { أعمى } عن ){[11103]} أن يعلم أنهم من الله { فهو في الآخرة أعمى } عن حجته ، ويقال عن دين الله { وأضل سبيلا } يعني الكافر ، عمي عنها ، وهو يعاينها ، فلا يعرف أنها من الله ، فيشكر ربها { فهو في الآخرة أعمى } يقول : عما غاب عنه من أمر الآخرة من أمر البعث والجزاء { وأضل سبيلا } وأخطأ طريقا . وبعضه قريب من بعض ، والله أعلم .


[11101]:في الأصل و.م : دلالته.
[11102]:في الأصل و.م: فقالوا.
[11103]:في الأصل: أعمى النعم أعمى، في م ، ساقطة من الأصل.