تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةٗ فَظَلَمُواْ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا} (59)

الآية59 : وقوله تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } أخبر أنه ليس يمنعه من إنزال ( الكتب ) {[11009]} إلا تكذيب الأولين بها .

فإن قيل : فأي شيء في ما يكذب الأولون بالآيات ما يمنع إنزالها على هؤلاء ؟ قيل : كأنه على الإضمار ، أي ( ما ){[11010]} منعنا أن نرسل بالآيات إلا علمنا بأن الآخرين ، يكذبون بها كما كذب بها الأولون . فإن قيل : عن هذا يسأل : أن علمه بتكذيب الآخرين كعلمه بتكذيب الأولين ، ثم لم يمنع علمه بتكذيب إياها إنزالها ، كيف منع علمه بتكذيب الآخرين ذلك ؟ أوليس قد أرسل الرسل ، وأنزل الكتب{[11011]} على علم منه أنهم يكذبون الرسل والكتاب ؟ ثم لم يمنع علمه بتكذيب الآيات منهم عن إرسال الآيات ، ولم يمنع علمه بتكذيب الرسول عن بعث الرسول وإنزال الكتاب ؟

قيل : إنه قضى من سنته إذا أنزل الآيات على إثر سؤال ؛ أعني سؤال الآيات ، فكذبوها ، أهلكهم . هكذا مضت سنته في القرون الأولى .

ثم قد سبق من وعده ألا يهلك هذه الأمة إهلاك تعذيب واستئصال في الدنيا رحمة منه وفضلا على ما أخبر رسوله حين{[11012]} قال : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }( الأنبياء : 107 ) فرحمته أن من عليهم بإبقائهم وإزالة العذاب عنهم واستئصالهم . فكأنه قال ، والله أعلم : { وما منعنا أن نرسل بالآيات } إلا ما سبق من وعدنا ورحمتنا ألا نهلك هذه الأمة إهلاك استئصال وتعذيب . فذلك الوعد والرحمة الذي ذكرنا منعنا عن إرسال الآيات على علم منا أنهم يكذبونها إذا أرسلناها إليهم .

وقد مضت السنة منا على الإهلاك إذا أنزلنا الآيات على إثر سؤالهم إياها ، ثم التكذيب من بعد ، ثم سبق الوعد لهؤلاء ألا يهلكوا في الدنيا إهلاك تعذيب رحمة منه لهم على ما أخبر أنه لم يرسله{[11013]} { إلا رحمة للعالمين }( الأنبياء : 107 ) .

وأصله أن الله قد أنزل الآيات والحجج على إثبات رسالته الرسل آيات كافية وحججا من بعد إنما سألوا سؤال تعنت وتمرد لا سؤال استرشاد واستهداء . فإذا كان سؤالهم الآيات سؤال عناد وتعنت أهلكوا إذا كذبوها ، ولم ينظروا كقوله : { ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون }( الأنعام : 8 ) وقوله : { ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين } ( الحجر : 8 ) ونحوه .

ألا ترى أن عيسى عليه السلام سألوه أن يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء لتكون لهم آية منه ، فسأله ، فأخبر أنه ينزلها عليكم ثم أخبر ما يفعل بهم إذا كفروا بعد ذلك ، وهم كانوا يسألونه سؤال تعنت وتمرد ، فقال : { إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم } الآية ( المائدة : 115 ) .

هكذا كانت سنته في من سأل الآيات سؤال تعنت وعناد .

وجائز أن يكون الذي منع عن إرسال الآيات على إثر السؤال وإهلاك هذه الأمة ما يكون من الإسلام من نسل هذه الأمة بعد بسببهم وإبقاء التناسل إلى يوم القيامة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وآتينا ثمود الناقة مبصرة } قيل : آية لرسالة صالح . وقال بعضهم : مبصرة {[11014]} أي معاينة ، يعاينونها أنها آية من الله لهم حين {[11015]} رأوها مخالفة لنوقهم ، وهو ما قال : { هذه ناقة الله لكم }( الأعراف : 73وهود : 64 ) { فظلموا بها } أي كذبوا بها وجحدوها ، ثم عقروها بعد علمهم أنها آية من الله لهم حين {[11016]} رأوها ، وعاينوها خلافا لنوقهم خارجة عن نوق البشر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }قال ابن عباس والحسن وغيرهما : الموت الذريع أي السريع .

وقال بعضهم : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } للناس . فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا ، أو يقول : { وما نرسل بالآيات }مقرونة بالسؤال سؤال التعنت ، فكذبوها { إلا تخويفا } للهلاك على ما ذكرنا من الآيات التي سألوها ، أو يكون قوله : { وما نرسل بالآيات }على إثر السؤال بها ثم التكذيب لها{ إلا تخويفا } لمن تأخر ممن سأل مثلها ، فكذب ، أو كلاما {[11017]} نحوه .

وتحتمل الآيات التي ذكر كسوف الشمس وخسوف القمر وغيره { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }للناس ، والله أعلم .


[11009]:ساقطة من الأصل.و.م.
[11010]:من م، ساقطة من الأصل.
[11011]:في الأصل و.م : الكتاب.
[11012]:في الأصل و.م : حيث.
[11013]:في الأصل و.م: يرسل.
[11014]:هذه قراءة قتادة، انظر معجم القراءات القرآنية ج3/327.
[11015]:في الأصل و.م : حيث.
[11016]:في الأصل و.م : حيث.
[11017]:في الأصل و.م : كلام.