الآية70 : قوله تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم }كرمهم بأن خلقهم في أحسن صورة كقوله : { وصوركم فأحسن صوركم }( غافر : 63 )وقَََََََوَّمَهُمْ في أحسن تقويم وأحسن قامة كقوله : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم }( التين : 4 ) .
و كرمهم بأن ركَّب فيهم العقول التي بها يعرفون الكرامات من الهوان ، ويعرفون بها المحاسن من المساوئ و الحكمة من السفه و الخير من الشر .
وكرمهم/306-أ/بأن جعل لهم لسانا يتكلمون به{[11081]} الحكمة وكل خير ، وبه {[11082]} يتوصلون إلى درك الحكمة وجمعها .
وكرمهم بأن جعل أرزاقهم أطيب الأرزاق ، وجعل لغيرهم ما خبث منها وما فضل منهم .
وكرمهم بأن جعل جميع ما على وجه الأرض لهم كقوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } ( البقرة : 29 ) .
وكرمهم بأن سخر لهم جميع الخلائق كقوله{ ألم تر أن الله سخر لكم ما في ( الأرض ) } {[11083]} ( الحج : 65 ) .
وجعل بني آدم هم المقصودون بخلق جميع الخلائق ، ونحوه .
وكرمهم حين{[11084]} جعلهم بحيث يتهيأ لهم استعمال السماء والأرض واستعمال الشمس والقمر واستعمال البحار والبراري وجميع الصعاب والشدائد في حوائجهم ومنافعهم ما لا يتهيأ لغيرهم من الخلائق ذلك .
فذلك تفضيلهم . وجائز أن يكون كرم بني آدم لأنه كرم آدم لأنه أسجد ملائكته له ، وبعثه رسولا إليهم حين{[11085]} { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم } ( البقرة : 33 ) فلما كرم آدم صار بنوه مكرمين أيضا . ولهذا نقول : إن{[11086]} الأب يصير مشتوما بشتم ابنه .
وما قال أهل التأويل : إن فضل بني آدم على غيرهم من الحيوان والدواب حين أكلوا ، وشربوا هم بأيديهم وسائر الدواب يأكلون بأفواههم . هذا الذي ذكروا ، هو من التفضيل . إلا أن ذكره له خاصة ، ليس فيه كثير حكمة وفضل . لكن فضلهم ، وكرمهم بما ذكرنا من وجوه الكرامات ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وحملناهم في البر والبحر }هذا تفسير ما ذكر من تكريم بني آدم وتفضيله إياهم . ثم يحتمل هذا وجهين :
أحدهما : أن جعل لهم البر والبحر مسخرين حتى يصلوا إلى ما في باطن البحر وظاهره من أنواع المال والمنافع ، وكذلك البر سخر لهم حتى يصلوا إلى ما في باطنه من الأموال والمنافع وظاهره .
والثاني : أن جعلهم بحيث يقضون حوائجهم التي كانت لهم من وراء البر ما لم يجعل ذلك لغيرهم من الخلائق قضاء الحوائج من ورائهما .
وذلك معنى تفضيلهم ثم ما ذكر على إثر قوله : { ولقد كرمنا بني آدم } وهو تفسير تفضيله وإكرامه حين{[11087]} قال : { وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات } .
وجائز أن يكون ما ذكر من تكريم بني آدم وتفضيله إياهم ، هو ما جعل فيهم من الأنبياء والرسل والأتقياء والأخيار منهم ما لم يجعل ذلك في غيرهم .
ألا ترى أن موسى قال : { لقومه يقوم اذكروا نعمة الله عليكم }( المائدة : 20 ) وقوله : { ورزقناهم من الطيبات } هو ما ذكرنا أن جعل أرزاقهم وغذاءهم ما بلغ في الطيب غايته ؟ ولا كذلك غذاء غيرهم من الدواب ورزقهم لأنهم لا يأكلون إلا بعد أن يستخرجوا منه ما فيه من أذى وخبث وخشونة من النخالة وغيرها ، وفي الطبخ والنضج حتى يبلغ في الطيب واللين غايته ؟
وأما غيرهم{[11088]} من الدواب فإنهم يأكلون كما هو نيا غير مطبوخ ولا نضيج ، وفيه من الخبث والأذى ( الكثير .
وقوله تعالى ){[11089]} : { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } قال بعض أهل التأويل{[11090]} : { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا } على الجن والشياطين وأصحابهم غير الملائكة .
وقال بعضهم : { وفضلناهم على كثير مما خلقنا } من الحيوان الدواب{ تفضيلا } بالأكل بالأيدي وجعل رزقهم من غير رزق الدواب .
ويحتمل { على كثير ممن خلقنا } ممن على وجه الأرض من الجن وغيرهم لما لم يرسل إلى الجن ورسول منهم . ولا أنزل كتاب على حدة ، وما جعل أرزاقهم مما يفضل من العظام والسرقين وغيره على ما ذكر . فذلك وجه تفضيلهم عليهم .
وأما الكلام في تفضيل البشر على الملائكة والملائكة على البشر فإنا لا نتكلم في ( ذلك لأنا ){[11091]} لا نعلم ذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة . فالأمر فيه إلى الله في تفضيل هؤلاء على هؤلاء وهؤلاء على هؤلاء ، ليس إلينا من ذلك شيء ، ولا جائز أن يجمع بين أشر البشر وأفسقهم وين الملائكة الذين لم يعصوا الله طرفة عين ، فيقال : هم أفضل من الملائكة .
ولكن إن كان ، لا بد ، فإنما يجمع بين الأنبياء والرسل وأتقى الخلائق وبين الملائكة ، فيتكلم حينئذ بتفضيل بعض على بعض ، فهو ما ذكرنا أن الأمر في ذلك إلى الله ، ليس إلينا من ذلك شيء ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.