تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا} (109)

الآية 109 : وقوله تعالى : { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي } يشبه أن يكون هذا خرج مقابل قوله : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } ( النحل : 89 ) وجوابه لما ذكر فيه { وتفصيل كل شيء } ( يوسف : 111 ) . فقال عز وجل عند ذلك جوابا لقولهم : إنه لو بسط ما أودع فيه مؤمن من{[11884]} المعاني والحكمة ، فشرح ذلك ، فكتب بما ذكر ، لبلغ القدر الذي ذكر ، وازداد .

وقال الحسن : قوله { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي } أي لو قال ما خلق ، وأملى أني خلقت كذا ، وخلقت كذا ، ويكتب{[11885]} جميع ما خلق ، لبلغ القدر الذي ذكر . فيرجع تأوليه إلى ما خلق من أصناف الخلق وأجناس الأشخاص .

وقال أبو بكر الأصم : قوله : { لكلمات ربي } لبيان ما خلق ربي ، فهو يرجع إلى الأول . وقال : فائدة ما ذكر ( أمر أن أحدهما ) {[11886]} : هو أن يعرفوا أن خلائقه وما أنشأ خارج{[11887]} عن الوقوع في الأوهام . فالذي أنشأ ذلك وخلقه أحرى أن يكون خارجا عن الوقوع في الأوهام والتصور فيها .

والثاني : أن يعرفوا قدرته وسلطانه وإحاطة علمه بالخلائق وما أنشأ ، فيعلموا أن من قدر على هذا فهو على البعث الذي أنكروا أقدر ، ومن أحاط علمه بما ذكر فهو على الإحاطة بأفعالهم وأقوالهم ( أعلم ){[11888]} وأعرف ، ليكونوا على الحذر أبدا في كل وقت .

ثم يحتمل قوله : { لكلمات ربي } حججه وآياته التي أقامها على وحدانيته وربوبيته ؛ أي لو كتب ذلك لبلغ ذلك ما ذكر . وإن كان المراد من الكلمات القرآن فالتأويل ما ذكرنا بدءا أنه خرج كان على الجواب والمقابلة لقول كان منهم . ( ويحتمل ) {[11889]} ما قاله الحسن وأبو بكر : إن كلماته خلقه أو البيان عن خلقه .

وقوله تعالى : { ولو جئنا بمثله مددا } هذا ليس على التحدي ، ولكن على التعظيم والإبلاغ . وهو ما قال : { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده ، سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } ( لقمان : 27 ) دل هذا على أن قوله : { ولو جئنا بمثله مددا } أي ليس لذلك المدد حد ولا نهاية . ولكن ذكر على التعظيم له والإبلاغ .

وفيه دلالة أن ليس لما خلق الله من العلوم من نهاية ولا غاية تدركه الخلائق ، ولكن يؤاخذ من كل جنس شيء ، فيعمل به . وفيه أن ليس الأمر بتعلم العلم ، والمقصود منه العلم نفسه ، ولكن المقصود منه العمل بما يعلم ؛ إذ ليس للعلوم نهاية ولا حد ، يبلغ ذلك البشر . فدل أنه لما ذكرنا ، والله أعلم .


[11884]:في الأصل و م: نحو.
[11885]:من م، في الأصل: فليكتب.
[11886]:ساقطة من الأصل و م.
[11887]:في الأصل و م: خارجا.
[11888]:ساقطة من الأصل.
[11889]:ساقطة من الأصل و م.