تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

الآية 110 : وقوله تعالى : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } أمره أن يخبرهم أنه بشر مثلهم . ثم يكون لذلك الأمر وإخباره إياهم أنه بشر مثلهم وجوه من المعنى .

أحدهما : أنهم كانوا يسألونه آيات خارجة عن وسع البشر وطوقهم ، فأمره أن يخبرهم أنه بشر مثلهم لا يقدر على ما يسألونه من الآيات التي تخرج عن وسع البشر وطوقهم . وليس لأحد التحكم على الله والتخير عليه في شيء . إنما ذلك إلى الله ؛ وإن شاء أنزل ، وإن شاء لم ينزل ، وأنا لا أملك شيئا من ذلك .

والثاني : ذكر هذا ليعرفوا أنه إذا جاء من الآيات التي لا يحتمل وسع البشر أن يأتوا بمثلها : أنه إنما أتى بذلك من عند الله لا من ذات نفسه ، إن علموا أن وسع البشر يحتمل ذلك ، فلما أتاهم بذلك إنما أتى بها من عند الله ، وأنه رسول على ما يقول .

والثالث : أمره أن يقول لهم هذا : إنه بشر مثلهم لئلا يحملهم فرط حبهم ( إياه اتخاذه ) {[11890]} إلها ربا على ما اتخذ قوم عيسى عيسى إلها ربا لفرط حبهم إياه .

وقوله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه } فإن كانت الآية في مشركي العرب فهم ينكرون البعث ، ولا يرجونه . لكنه يكون ذكر لقاء ربه لهم لأنهم عرفوا في أنفسهم قديم إحسان الله إليهم ونعمه{[11891]} عليهم . فأمروا أن يعملوا{[11892]} العمل الصالح ليستديموا بذلك الإحسان الذي كان من الله إليهم ، فيحملهم العمل على التوحيد بالله والإقرار بالبعث .

وإن كانت الآية في المؤمنين فيكون تأوليه { فمن كان يرجوا لقاء ربه } أي ثواب ربه { فليعمل عملا صالحا } ليثاب عليه ؛ إذ الثواب إنما يكون للعمل الصالح دون غيره .

وفيه ما ذكرنا أن المقصود من العلم العمل الصالح ، والعلم{[11893]} مما ليس له نهاية ، فالأمر بطلب ما لا نهاية له ليس لنفسه ، ولكن للعمل به ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } يحتمل حقيقة الإشراك في العبادة والألوهية على ما أشرك أولئك : أشركوا الأصنام والأوثان التي عبدوها في عبادته وألوهيته . ويحتمل المراآة في العمل الصالح على ما يرائي بعض أهل التوحيد في بعض ما يعملون من الطاعة والخيرات ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .


[11890]:ساقطة من الأصل و م.
[11891]:الواو ساقطة من الأصل و م.
[11892]:في الأصل و م: يعمل.
[11893]:من م، في الأصل: والعمل.