تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ} (253)

الآية 253 وقوله تعالى : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض } الآية{[3169]} ؛ يحتمل تفضيل بعضهم على بعض ما ذكر : { منهم من كلم الله } ومنهم من اتخذه خليلا{[3170]} ، ومنهم من سخرت له الريح والطير{[3171]} ، ما كان في الأنبياء مثله .

ويحتمل { بعضهم على بعض } في الحجاج والحجج على القوم لأن فيهم من كان أكثر ما حاجة لقومه وأعظم حججا ، وهو إبراهيم صلى الله عليه وسلم وموسى . ويحتمل التفضيل التمكين في الأرض ؛ مكن لبعضهم ما لم يمكن للباقين . ويحتمل ذلك في الشفاعة ورفع الدرجات . ويحتمل { بعضهم على بعض } في الرسالة لأن منهم من أرسل إلى الإنس والجن جميعا ، ومنهم من أرسل إلى الإنس خاصة ، ومنهم من أرسل إلى نفر ، والله اعلم .

وقد ذكرنا ألا يكون من الله تفضيل لبعض الرسل [ ردا ]{[3172]} على قول المعتزلة : إنه{[3173]} فعل ما عليه أن يفعل ، وكل من فعل ما عليه أن يفعل فإنه لا يوصف بالفضل والإفضال ، دل أنه ليس على ما يقولون ، ويذهبون إليه .

وقوله : { ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس } قد ذكرناه في ما تقدم{[3174]} .

وقوله : { ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات } هذه الآية الآيتان من بعدها قوله : { ولو شاء الله ما اقتتلوا } وقوله : { ولكن الله يفعل ما يريد } على المعتزلة لأنه اخبر أنه لو شاء ألا يقتلوا ما اقتتلوا ، وهم يقولون : شاء الله ألا يقتتلوا ، ولكن اقتتلوا ، والاقتتال هو فعل اثنين ، وفيهم من اقتتل ظالما ؛ دليله قوله : { ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر } وقوله{[3175]} : [ { ولو شاء الله ما اقتتلوا } أخبر أنه لو شاء ألا يقتتلوا ، وأخبر أنه يفعل ما يريد . ثبت الفعل في الإرادة ، ومنهم [ من يقول : ]{[3176]} لا يفعل ما يريد ، وكذلك قوله ]{[3177]} { ولو شاء الله ما اقتتلوا } أخبر أنه لو شاء ما اختلقوا ، وهم يقولون : وهم يقولون : شاء ألا يختلفوا ، ولكن اختلفوا .

ثم لا يجوز صرف الآية إلى مشيئة القسر والجبر لأن المشيئة التي ذكرها الله تعالى معروفة في الناس ، فلا يجوز صرفها إلى غير المشيئة المعروفة إلى بعد تقدم ذكر أو بيان : أنها هي المرادة .

وقوله تعالى : { ما اقتتلوا } وقوله{[3178]} { ولاكن اختلفوا } جعلهم{[3179]} على أمر واحد كقوله : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة } [ هود : 118 ] والمعتزلة يقولون : شاء أن [ يصيروا أمة واحدة ، ولكن لم يصيروا ]{[3180]} ، فنعود بالله من السرف في القول في الله بما [ لا ]{[3181]} يليق به .


[3169]:أدرج في ط ع بدل هذه الكلمة تتمة الآية.
[3170]:إشارة إلى قوله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125].
[3171]:إشارة إلى قوله تعالى: {وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير} [الأنبياء: 79] وقوله: {ولسليمين الرح عاصفة} [الأنبياء: 81].
[3172]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3173]:في الأصل وم: لأنه، ساقطة من ط ع.
[3174]:في تفسير الآية [87].
[3175]:في النسخ الللاث: ثم قال.
[3176]:في الأصل وم: يقولون.
[3177]:ساقطة من ط ع.
[3178]:في النسخ الثلاث: و.
[3179]:في النسخ الثلاث: فجعلهم.
[3180]:من ط ع، في الأصل: يصير أمة واحدة، في م: يصيروا أمة واحدة.
[3181]:من ط ع وم، ساقطة في الأصل.