الآية 257 وقوله تعالى : { الله ولي الذين آمنوا } ؛ قيل : الولي الحافظ ، وقيل : الولي الناصر ، وهو ناصر المؤمنين وحافظهم ، وقيل : سمي وليا لأنه قبل أمور الخلق من النصر والحفظ الرزق وغيره . وعلى ذلك يسمى والي وليا لما يلي أمور الناس ، وقيل : قوله : { والله ولي الذين آمنوا } أي والله أولى بهم ؛ إليه إجابتهم وطعمهم ، وهو الذي يكرمهم ، وإن الطاغوت أولى بالكافرين كما قال : { فالنار مثوى لهم } [ فلصت : 24 ] أي أولى بهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات } ؛ قوله : { يخرجهم } بمعنى أخرجهم ، وجائز هذا في اللغة : يفعل بمعنى أفعل ، وأفعل بمعنى يفعل ، جاز فيها ، غير ممتنع عنه .
وقوله تعالى : { يخرجهم من الظلمات إلى النور }{[3225]} هو ابتداء نشوئهم عليه ، ليس أن كانوا فيه ، ثم أخرجهم كقوله تعالى ك { رفع السموات بغير عمد ترونها } [ الرعد : 2 ] رفعها ابتداء ، ليس أن كانت موضوعة ، ثم رفعها . فعلى ذلك الأول .
والآية تنقض على المعتزلة قولهم ؛ إذ جميع ما أعطي المؤمن من الإخراج من الكفر أعطي مثله الكافر [ فكأنهم يقولون : أخرجهم جميعا من الظلمة ، وعليه إخراج الكافر ]{[3226]} أيضا من الظلمات إذ ذلك هو الأصلح له ، وعليه أن يعطي الخلق{[3227]} ما هو الأصلح لهم في الدين . فإذا كان هذا قولهم ، فهو ولي الكفرة والمؤمنين جميعا على قولهم ، إذ هو بالسبب الذي ذكر الولاية للمؤمنين ، فيعطي أيضا للكفرة .
فإن قالوا : إنه أضاف الكفر إلى الطاغوت ، وأنتم تضيفونه إلى الله عز وجلا قيل : هو ظاهر الكذب ؛ إنا لا نضيف ذلك إليه الكفر ، إنما نقول : إنه خلق فعل الكفر كفرا ، وخلق فعل النور من المؤمن نورا ؛ على أنه إن كان هذا في الكفر فما القول في الفصل{[3228]} الأول من قولكم : إنه منعم على المؤمن ، ثم{[3229]} لا نعمة فيه على المؤمنين إلا بالأمر [ والإقدار ]{[3230]} والإقدار منه موجود للكافر في كفره على قولكم . ثم لا نعمة[ تقع ]{[3231]} في الأمر والدعاء للمؤمنين إلا ويقع مثلها{[3232]} للكافر ؛ إذ هو في الأمر والدعاء كالمؤمن سواء{[3233]} ؟ ولا قوة إلا بالله .
وليس في القول : إنه خالق بأنه خالق فعل كل أحد على ما عليه إضافة الكفر إليه ، بل إنما يضيف الخير إليه بما منه فيه من الإفضال على الشكر [ له ]{[3234]} . فدل أن له عز وجلا في المؤمن فضل صنع ، ليس ذلك له في الكافر .
والكفر في اللغة الستر ، وكذلك الظلمة عي الستر . يقال : كفرت الشيء أي سترته ، وكذلك يقال : ليل مظلم لأنه يستر ضوء النهار ونوره ، فيستر الأشياء عن أبصار الخلق [ وكذلك الكفر يستر به حقائق الإيمان عن إبصار القلوب ]{[3235]} .
قال الشيخ ، رحمه الله تعالى ، في قوله : { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } الآية : دلت هذه الآية على أن كان من الله إلى الدين آمنوا معنى لم يكن منه إلى الدين كفروا به ، كان إيمانهم ، ولو لم يكن إلا الأمر والإقدار أو البيان على ما قالت المعتزلة لكان كل ذلك عندهم على الكفرة ، فلا وجه لتخصيص المؤمنين مما ذكر ، وجعل الطاغوت أولى بالكافرين ، وصنع الله إلى{[3236]} كل واحد ، ولم يكن من الله ، تلك الزيادة . فإذا كان الذي ذكر لهم في أنفسهم فلا وجه للامتنان بذلك . ومن البعيد ذكر الامتنان في ما به الإلزام والأمر . وما ذكرت المعتزلة إنما هي أسباب الإلزام ، ولولا ذلك كان أيسر عليهم وأقل لائمة . فكيف بمن بها ثبت ؟ إن كان منه فضل ، ليس كذلك في أعدائه ، فيه استوجب الحمد منهم . ولهذا تضاف إليه الخيرات على الشكر له وتوجيه الحمد إليه ، ولا تضاف إليه الشرور ، وربما ليس في ذلك تشكر ، إنما منه الخذلان بما علم من إيثار الكافر عداوته واختياره الكفر به . فلذلك لم تجز الإضافة إليه ، [ والإضافة إليه ]{[3237]} ، جل ثناؤه ، لا باسم الخلق تخرج مخرج التعظيم له ، والخضوع من العبد بالحمد له والشكر ، ولا يجوز مثله في ما ليس فيه ذلك على ما لا يضاف إليه الأنجاس والخبائث والجواهر القبيحة ، وإن كانت من طريق الخلقة جرى عليها تدبيره ، وخرجت على تقديره . فعلى ذلك أفعال الخلق ، وعلى ذلك القول : بأنه رب كل شيء ، وإله كل شيء . ثم على الإشارة : لا يوصف بذلك في الأشياء الخاملة المستخف بها ، فمثله /47- ب/ الأول ، والله اعلم .
وقوله تعالى : { والله لا يهدي القوم الظالمين } [ البقرة : 258 و . . . ] و{ . . . الكافرين } [ البقرة : 264 و . . . ] [ و{ . . . الفاسقين } ]{[3238]} [ المائدة : 108 و . . . ] ونحو ذلك يخرج على وجوه :
أحدها : أنه لا يهديهم وقت اختيارهم ذلك ، ويكون على ألا يخلق منهم فعل الهداية ، وهم يختارون فعل الضلال .
والثاني{[3239]} : من في علمه أنه لا يهتدي ، ويكون على ألا يخلق منهم فعل الهداية ، وهم يختارون فعل الضلال .
والثالث{[3240]} : لا يهدي طريق الجنة في الآخرة من كفر بالله في الدنيا .
والرابع{[3241]} : لا يجعلهم في حكمهم كقوله : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } [ الجاثية : 21 ] .
وقوله تعالى : { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ذكر أن الكفرة هم صحاب النار ، وذكر في آية أخرى أن الملائكة أصحاب النار بقوله تعالى : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } [ المدثر : 31 ] ، لكنه ذكر أصحاب النار لما يتولون تعذيب الكفرة فيها ، فمساهم بذلك ، وذكر الكفرة أصحاب النار لأنهم هم المعذبون فيها ، والملائكة معذبوهم فيها ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.