الآية 259 وقوله تعالى : { أو كالذي مر على قرية } قيل : هو نسق على قوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم } وقيل : [ هو ]{[3255]} نسق علة قوله : { أنا أحي وأميت } لأنه بذلك أنكر البعث .
ثم اختلف في المار على القرية : قال بعضهم : كافر قال ذلك ، وقال آخرون : لا ، ولكن قال ذلك مسلم ، وقال أكثر أهل التأويل : هو عزيز . فإن كان قائل ذلك كافرا فهو على إنكار البعث والإحياء [ بعد الممات ]{[3256]} ، وإن كان مسلما فهو على معرفة كيفية الإحياء ، ليس على الإنكار ، وهو كقول إبراهيم عليه السلام { أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولاكن ليطمئن قلبي } [ البقرة : 260 ] وليس لنا إلى معرفة قائله حاجة ، إنما الحاجة إلى معرفة ما ذكر في الآية ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وهي خاوية على عروشها } قيل : خالية من سكانها ، وقيل : { خاوية } ساقطة سقوفها على حيطانها ، وحيطانها على سقوفها .
[ قوله تعالى ]{[3257]} : { أنى يحي هذه الله بعد موتها } هو على ما ذكرنا .
وقوله تعالى : { فأماته الله مائة عام ثم بعثه } أراد ، والله أعلم ، أن يرى الآية في نفسه ، والآية هي آية البعث ، ويحتمل أن تكون آية في المتأخرين .
وقوله تعالى : { قال كم لبثت } سؤال{[3258]} منه [ جل ، وعلا ]{[3259]} : الاجتهاد بظاهر الحال الذي ظهر عنده ليظهر أنه اجتهد بدليل أو بغيره{[3260]} على ما يدركه وسعه ، فبان أن المجتهد يحل له [ له الاجتهاد ]{[3261]} بما يدرك في ظاهر الحال ، وإن كان [ الذي ]{[3262]} حكم فيه الاجتهاد بالغيب .
قال الشيخ ، رحمه الله : [ أراد الله تعالى ]{[3263]} بقوله : { كم لبثت } التنبيه كقوله موسى : { وما تلك بيمينك يا موسى } [ طه : 17 ] ليريه الآية من الوجه الذي هو أقرب إلى الفهم ، [ والأعجوبة متوجهة ]{[3264]} فيه بوجهين : مرة بإماتة الحمار إذ من طبعه الدوام ، ومرة بإبقاء طعامه ، ومن طبعه التغير والفساد عن سريع ؛ جعل في بقاء طعامه وحفظه من الفساد آية ، ومن{[3265]} طبعه الفساد ، وفي إحياء حماره بعد إماتته ، وطبعه البقاء ، ليعلم ما نازعته نفسه في كيفية الإحياء درك ذلك ، وهو قوله : { إن الله على كل شيء قدير } [ البقرة : 259 ] .
ثم قيل في وجهه ما رآه بأوجه ؛ قيل : إنه أحيي عينيه وقلبه ، فأدرك بهما{[3266]} كيفية الإحياء في بقية نفسه ، وقيل : أحيي نفسه ، فأراه ذلك في حماره ، وقيل : إنه أراه ذلك في ولده لأنه أتى شابا ، وولده [ وولده ولده شيوخ ، وذلك ]{[3267]} آية .
قال الشيخ ، رحمه الله : /48-أ/ في قوله : { ثم بعثه قال كم لبث } الآية ؛ فإن قال قائل : كيف سأله عن لبه ؟ وقد علم أنه لم يكن علم به ، وأيد إخباره بقوله : { قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثن مائة عام } ؛ قيل : القول { كم لبث } يحتمل وجهين ، وكذلك القول بقوله : { بل لبثت مائة عام } :
أحدهما : علة قول ألقي إليه ، ونطق أسمع هو
والثاني : أن يكون على ما حدثته نفسه بمدة لبثه في حال نومه ، فتأمل في ذلك أحوال نومه ، وأخبر عما عاين من أحوال الوقت الذي كان فيه مما كان ابتداؤه وقت [ نومه ]{[3268]} ، فقال بالذي ذكر ، ثمل لما تأمل الحمار ، واستخبر عن الأحوال ، قالت له نفسه : { بل لبثت مائة عام } ، ثم أمعن{[3269]} نظره في حماره ، وما رأى من تغير أحواله ، وأنشأه الله تعالى على ما ذكر . وكل ذلك خبر عما حدثته نفسه ، حثه{[3270]} على التفكير في أحواله والنظر في ما عاين من أمر الحمار ، أو كان عليم أن ذلك موت فيه ، لكنه استقل ذلك بما يشهد نفسه بما عاينها على ما كانت عليها ، فلما تأمل شأن حماره علم أنه رفع{[3271]} إلى الله تعالى ، فأنبأه الله تعالى بالذي وصف في القرآن ، والله الموفق .
ولو كان على القول فإن{[3272]} في السؤال عما يعلم السائل جهل المسؤول وجهين :
أحدهما : الامتحان على ما به ظهور أحوال الممتحن من الاجتهاد في تعريف الحقائق بالاستدلال أو الخضوع له بالاعتراف بقصوره من الإحاطة به كفعل الملائكة عند قوله تعالى : { أنبئوني بأسماء هؤلاء } [ البقرة : 31 ] بقولهم : { لا علم لنا إلا ما علمتنا } [ البقرة : 32 ] ، والأول كما فعل صاحب هذا أنه { قال لبث يوما أو بعض يوم } ، ومثله أمر أصحاب الكهف{[3273]} ، والله أعلم .
والثاني : أن يراد بالسؤال التقرير عنده متعظا{[3274]} لما يراد به من الاطلاع على الآية كما قال لموسى : { وما تلك بيمينك يا موسى } الآية [ طه : 17 ] ؛ وهذا في ما كان السؤال في الظاهر خارجا{[3275]} في الحقيقة مخرج المحنة{[3276]} نحو ما ذكرنا في أمر الملائكة وأمر موسى عليه السلام . فأما السؤال الذي [ هو في حق السؤال ]{[3277]} إنما هو في حق الاستخبار ليعلم ما عليه حقيقة الحال بالسؤال ، لكن الذي ذكرت في ما كان سبيله أن يكون من له الامتحان ، ولا قوة إلا بالله .
وقوله تعالى : { فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } [ قيل : لم يأت عليه السنون ، أي كأنه لم يأت عليه السنون ]{[3278]} ، وقيل : { لم يتسنه } لم يتغير ، [ ولم ينتن ]{[3279]} ، والأول أشبه لأنه يقال : من التغير والنتن لم يتسنن .
وقوله تعالى : { وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما } ؛ وهو من الإحياء ، و{ ننشزها } بالزاي ، وهو من الارتفاع والنصب ، وفيه لغة أخرى ننشزها [ بالراء ]{[3280]} ، وهو من الإحياء ، وننشزها من النشر{[3281]} .
وقوله تعالى : { فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } [ { أعلم } ]{[3282]} بالنصب ؛ صرف قوله : { أنى يحيي هذه الله } إلى المسلم ، ومن قرأ بالخفض{[3283]} صرف إلى الكافر ؛ يقول الله له : اعلم : { أن الله على كل شيء قدير } ويحتمل أيضا صرفه إلى المسلم ؛ و{ أعلم } على الإخبار كأنه قال : أعلم ما كنت أعلمه غيبا مشاهدة .
وفي هذه الآيات إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك أن هذه القصص كانت ظاهرة بينهم ، ولم يكن له اختلاف إليهم ولا النظر في كتبهم ، ثم أخبر على ما كان ليعلم أنه إنما علم ذلك [ بالله جل ]{[3284]} ثناؤه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.