تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

[ الآية 68 ] وأخبر أنهم { لا يدعون مع الله إلها آخر } ثم يحتمل هذا وجهين :

[ أحدهما ]{[14547]} : { لا يدعون } أي لا يعبدون دون الله غيره .

[ والثاني ]{[14548]} : لا يسمون غير الله [ إلها ]{[14549]} . { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } .

أخبر في الآية الأولى في قوله : { الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } [ الفرقان : 63 ] عن معاملتهم الخلق وصنيعهم بينهم وبين العباد حين{[14550]} أخبر أنهم يمشون هونا ، ولا يؤذون أحدا ، ولا يضرونه ، وإذا آذاهم أهل الجهل والسفه لم يكافئوهم لأذاهم ، ولكن احتملوا ذلك عنهم ، وتجاوزوا ، وقالوا لهم قولا سديدا .

هذه معاملتهم في ما بينهم وبين الخلق بالنهار .

وأخبر عن معاملتهم ودعائهم ربهم بالليل حين{[14551]} قال : { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما } { والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم } الآية [ الفرقان : 64 و65 ] .

ثم أخبر عن صنيعهم في أموالهم التي في أيديهم لا يضعونها إلا في ما أمروا بالوضع فيها ، وأخبر عن صفوتهم وإخلاصهم لله في العبادة وكفهم عن محارم الله حين{[14552]} قال : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } [ الفرقان : 67 ] وقال{[14553]} : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } .

وقوله تعالى : { والذين لا يشهدون الزور } موصول بهذا ومقدم على قوله : { ومن يفعل ذلك يلق أثاما } كأنه قال : ولا يزنون ، ولا يشهدون الزور ، ومن يفعل ذلك أي ما ذكر من قتل النفس المحرمة والزنى وشهادة الزور والشرك يلق أثاما .

وقال بعضهم : { أثاما } أي واديا في جهنم . وقال بعضهم : { أثاما } عذابا في النار .

وقوله تعالى : { والذين لا يشهدون الزور } [ الفرقان : 72 ] قال بعضهم : لا يشهدون مكان الزور ، وهو الغناء ، أي لا يشهدون المكان الذي يتغنى فيه . وقال بعضهم : لا يشهدون بشهادة الزور ، وهو الكذب .

وقوله تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } مرور الكرام ، أي إن قدروا على تغيير ما عاينوا من اللغو والمنكر غيروه ، ومضوا على وجوههم من غير أن يدخل في ذلك فساد ، وإن لم يقدروا مضوا ، ولم يعبؤوا به ، ولا اشتغلوا به كقوله : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } [ القصص : 55 ] .

وفي قوله : { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } دلالة نقض قول الخوارج بإكفارهم أصحاب الكبائر لأنه أخبر أنها محرمة بعد ارتكابها الزنى{[14554]} كما هي قبل ارتكابها { إلا بالحق } حين{[14555]} قال : { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } دل أنها محرمة بحق{[14556]} غير كافرة إلا بالحق : إما بحق القصاص ، وإما بحق الزنى ، وإما بحق الارتداد . وعلى ما ذكر في الخبر : " لا يحل قتل امرئ مسلم إلا في ثلاث خصال : زنى بعد إحصان ، وكفر بعد إيمان ، وقتل نفس بغير حق " [ بنحوه البخاري 6878 ] ولو كانت كافرة بارتكاب ما ذكر لكانت غير محرمة ، فدل أنه ما ذكرنا .

وقال أبو عوسجة : الإسراف الفساد ، والتقتير التضييق { ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } أي لم ينفقوا قليلا ، لا يكفي عيالهم ، والقوام الوسط ، ويقال : لا قوام لي في هذا الأمر أي لا طاعة لي فيه ، ولا أقاوم هذا الأمر أي لا أطيقه ، والقوام القصد .

قال أبو معاذ في قوله : { ولم يقتروا } لغات أربع : لم يقتروا برفع الياء بخفض التاء غير مثقل [ ويقتروا : مثقلا ]{[14557]} ويقتروا بنصب الياء وخفض التاء ، ويقتروا برفع التاء ونصب الياء ، والمعنى كله واحد{[14558]} . وقوله تعالى : { والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا } [ الفرقان : 73 ] قال بعضهم : يقول : إذا ذكروا بآيات ربهم لم يصموا عن الحق ، ولم يعموا . قال : هم . والله أعلم . قوم عقلوا علن الله ، وانتفعوا بما سمعوا من كتاب الله .

وقال الحسن : من يقرأها بلسانه يخر عليها أصم وأعمى ؛ كأنه يخبر أن أولئك ؛ أعني أهل صفوة الله وإخلاصه لم يخروا على تلك الآيات صما وعميانا كالكفرة العندة ، ولكن خروا عليها متذكرين ومتفقهين متيقظين عالمين بما فيها كقوله : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } الآية [ الأنفال : 2 ] .


[14547]:- ساقطة من الأصل وم.
[14548]:- في الأصل وم: أو.
[14549]:- ساقطة من الأصل وم.
[14550]:- في الأصل وم: حيث.
[14551]:- في الأصل وم: حيث.
[14552]:- في الأصل وم: حيث.
[14553]:- في الأصل وم: وقوله.
[14554]:- أدرج بعدها في الأصل وم: والقتل.
[14555]:- في الأصل وم: حيث.
[14556]:- في الأصل وم: بعد.
[14557]:- ساقطة من الأصل وم.
[14558]:- انظر معجم القراءات القرآنية ج/ 294.