تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

[ الآية 59 ] وقوله تعالى : { الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما } قد ذكرنا هذا .

وقوله تعالى : { فسأل به خبيرا } قال قائلون : فاسأل بالله خبيرا لما تسأل عنه [ يا محمد ]{[14515]} وذلك أن بعض كفار مكة ، قالوا : يا محمد إن كنت تتعلم الشعر فنحن لك ، فقال النبي : أشعر{[14516]} هذا ؟ إن هذا كلام الرحمن ، فقالوا : أجل لعمر الله إنه لكلام الرحمن الذي باليمامة ، هو يعلمك ، فقال النبي : الرحمن ، هو الله { الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما } من عنده يأتيني ذلك ، فقالوا : أيزعم أن الله واحد ، وهو يقول : الله يعلمني ، والرحمن يعلمني ، ألستم تعلمون أن هذين{[14517]} إلهان ، أو كلام نحو هذا .

وجائز أن يكون قولهم : { وما الرحمن } لما لا يعرفون الرحمن ، وعرفوا الله ، فأنكروا ذلك لما لم يكونوا يسمعون ذلك ، فعرفهم بقوله : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } الآية [ الإسراء : 110 ] .

أو أن يكونوا يعرفون كل معبود إلها ، وكذلك يسمون الأصنام التي عبدوها آلهة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى عبادة الرحمن ، فظنوا أنه غير ، فقالوا : فلئن جاز أن يعبد غير الله فنحن نعبد الأصنام ، فلم تمنعنا عن ذلك ؟ فأخبر [ أن ]{[14518]} الرحمن والإله واحد ، ليس وهو غيرا حين قال : { تبارك الذي جعل في السماء بروجا فيها سراجا وقمرا منيرا } على آخر ما ذكر [ الفرقان : 61 . . . ] يقول الله تعالى : لا{[14519]} يكون الرحمان غير الإله ، بل الرحمن هو { ولقد جعلنا في السماء بروجا } وقد كانوا يعلمون أن الذي جعل في السماء البروج ، وهي النجوم ، وجعل فيها السُّرُجَ ، وهي الشمس والقمر ، هو الله . فأخبر أن الرحمن هو ذلك ، لا غير .

وفي قول بعضهم : إن قوله : { الذي خلق السماوات والأرض } الآية دلالة أنه ليس من المكتوم ، ولكنه مما يعلم ، ويفسر حين{[14520]} قال : { فسأل به خبيرا } ولو كان مما لا يعلم لكان لا يأمره أن يسأل به خبيرا ، أو لو{[14521]} أمره بالسؤال لكان لا يحتمل ألا يخبره . دل ذلك أنه ليس من المكتوم ، ولكنه مما يعلم ، لكن لا يعلمه إلا الخبير ، والخبير هو العالم .

ثم يحتمل الله أو جبريل أو من يعلمه الله ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فسأل به خبيرا } قال بعضهم : بالله ، وقال بعضهم : بالذي سبق ذكره من قوله : { ثم استوى على العرش } .


[14515]:- في الأصل وم: محمد.
[14516]:- في الأصل وم: الشعر.
[14517]:- في الأصل وم: هذا.
[14518]:- ساقطة من الأصل وم.
[14519]:- في الأصل وم: أن.
[14520]:- في الأصل وم: حيث.
[14521]:- في الأصل وم: أن.