تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

[ الآية 63 ] وقوله تعالى : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } وصف عز وجل أهل الصفوة والإخلاص من عباده أنهم يمشون على الأرض هونا إلى آخر ما ذكر ، وإلا كانوا كلهم عباد الرحمن لكن وصف أهل الصفوة منهم والإخلاص والتقى .

وقوله تعالى : { يمشون على الأرض هونا } قال بعضهم : حلماء أتقياء بغير مرح ولا بطر . وقال بعضهم : هونا{[14531]} أي متواضعين ، لا خيلاء ، ولا كبرياء ، ولا مرحا .

وعن الحسن [ أنه ]{[14532]} قال : هم المؤمنون ، قوم ذلل ، ذلت [ منهم ]{[14533]} والله الأسماع والأبصار والجوارح حتى يحسبهم الجاهل مرضى ، والله ما بالقوم مرض ، وإنهم لأصحة القلوب ، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم .

وفي بعض الأخبار مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المؤمنون هينون لينون كالجمل الإلف ، إن قيد انقاد ، وإن أنيخ على صخرة استناخ ) [ ابن المبارك في الزهد 387 ] .

وأصله أنهم يمشون هونا من غير أن يتأذى بهم أحد أو يلحق بأحد منهم ضرر أو ضنى ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } قال بعضهم : إذا جاهلهم{[14534]} الجاهلون ، وسافههم السفهاء لا يجاهلون أهل الجهل والسفه ، ولكن يقولون{[14535]} : السلام عليكم .

وقال بعضهم : وإذا سمعوا الشتم والأذى قالوا : سلاما ، أي سدادا وصوابا من القول وردا معروفا ؛ أعرضوا عن سفههم وجهلهم بهم ، ولم يكافئوهم كقوله : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } الآية [ القصص : 55 ] يخبر الله تعالى عن صحبتهم أهل السفه والجهل وحسن معاشرتهم إياهم ورفقهم . فكيف يعاملون أهل الخير والعقل منهم ، ويصاحبونهم{[14536]} ؟ فهذه معاملتهم الخلائق على الوصف الذي وصفه .


[14531]:- أنظر معجم القراءات القرآنية ج4/293.
[14532]:- ساقطة من الأصل وم.
[14533]:- في الأصل وم: معنى.
[14534]:- في م: خاطبهم.
[14535]:- في الأصل وم: قالوا.
[14536]:- في الأصل وم: ويصاحبون.