الآية 37 وقوله تعالى : { أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } .
يحتمل قوله : { إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } [ أن يكون حجة ]( {[16056]} ) على الكافرين كقوله : { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } [ الأنعام : 83 ] .
ثم وجه الآيات لهم على كفار مكة من وجوه : في إثبات الرسالة ، وفي البعث ، وفي( {[16057]} ) إظهار سفههم في عبادة الأصنام وإشراكهم إياها في عبادة الله لأن أهل مكة كانوا ينكرون الرسالة والبعث ، ويرون عبادة غير الله فالاحتجاج عليهم بهذه الآية على الوجوه التي ذكرنا .
فأما الاحتجاج في إثبات الرسالة فهو من وجوه ثلاثة :
أحدها : أنهم كانوا ينكرون الرسالة لأنهم بشر ، ولا يرون للبشر بعضهم على بعض فضلا كقوله : { ما هذا إلا بشر مثلكم } [ المؤمنون : 24 و33 ] فيريهم الفضل لبعضهم على بعض في الرزق موسعا على بعض مضيقا مقترا على بعض . فإن ثبت عندهم ، وظهر الفضل لبعض على بعض في ما ذكرنا فيجوز الفضل على بعض في الرسالة .
والثاني : ذكره( {[16058]} ) مقابلا لقولهم : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] يخبر أن الأمر ليس إليهم إنما ذلك [ إلى الله ]( {[16059]} ) يختار من يشاء لما يشاء من الرسالة والنبوة وغيرهما كما يختار التوسيع على من يشاء والتضييق والتقتير على من يشاء ، وإن كانوا جميعا يتمنون السعة ، ويحبونها ، ويرهبون من الضيق والتقتير . ولكن الأمر في ذلك إلى الله كله .
والثالث : وسع على بعض ، وضيق على بعض ؛ فالجهة التي وسع على بعض غير الجهة التي ضيق على بعض ، فلا بد من رسول يخبر عن ذلك ، ويعلم ما على هذا وما على هذا ، وما جهة التفريق بينهم والتفضيل في الرزق ، والله أعلم .
وأما الاحتجاج عليهم في البعث بها فمن وجوه أيضا :
أحدها : أنه جمع في هذه الدنيا بين العدو والولي ، وسع بينهما في التوسيع والتضييق ؛ إذ وسع على العدو والولي [ جميعا ، وضيق على الولي ]( {[16060]} ) ووسع على العدو . وفي الحكمة والعقل التفريق بينهما في هذه الدنيا [ لا الجمع والتسوية ، وقد سوى بينهما في هذه الدنيا ]{[16061]} وجمع . فلا بد من دار أخرى ، فيها يفرق بينهما ، فيلزمهم البعث ، والله الموفق .
والثاني : أنه وسع الرزق على من هو في تقديرهم وعقولهم [ أنه لا يجب التوسيع ]( {[16062]} ) عليه ؛ وهو السفيه /413-ب/ الجاهل الذي في تقدير كل ذي عقل ولب أن يكون محروما مضيقا ، وضيق على من هو في تقدير أحد وعقله أن يكون موسعا عليه مرزوقا ، وهو العاقل العارف بجميع أسباب السعة والغنى ، وفي التقدير على خلاف هذا ، فلا بد من مكان فيه يظهر التفضيل للعقول والمعارف والرغبة فيها والرغبة عن أضدادها ومن هو أهل التوسيع ومن هو أهل الحرمان إذ قد اشتركوا في هذه .
والثالث : أن يعتبروا ، وينظروا ، بأن من قدر على توسيع الرزق وبسطه وتضيق الرزق وحرمانه بالأسباب الخارجة عن تقديرهم وتدبيرهم وبغير أسباب قادر على إحياء الأشياء الخارجة عن قدرتهم وتدبيرهم ، والله أعلم .
وأما وجه الاحتجاج عليهم بعبادتهم غير الله ففي ذلك تناقض ، وذلك بأنهم قالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] وقالوا( {[16063]} ) : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] وكانت لا تشفع في الدنيا ، ولا تقربهم الزلفى فيها في التوسيع والبسط ودفع الضيق ، وفي الآخرة لا يحتمل [ ذلك ]( {[16064]} ) لأنهم كانوا لا يؤمنون . فهو تناقض وسفه وسرف في القول .
وهذه الآية وغيرها من الآيات تنقض على المعتزلة لأنهم لا يجعلون لله في مكاسب الخلق وحرفهم وتجاراتهم وجميع أسبابهم التي بها يرتزقون ، ويتعيشون صنعا ، وإنما يجعلون ذلك في الخارج من الأرض .
فالناس في ذلك [ في توسيع ]( {[16065]} ) وتضيق إذا لم يكن له في تلك الأسباب والمكاسب صنع .
فدل أن لله في ذلك صنعا حين( {[16066]} ) يقع منه البسط والتوسيع والتضييق والتقتير ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } يحتمل وجهين :
أحدهما : ما ذكرنا : يكون للمؤمنين في ذلك آيات على الكفار .
والثاني : لقوم ينتفعون بإيمانهم ، والمنتفعون هم المنتفعون بها . فأما من كفر فلا ينتفع .
وجائز أن يكون في ذلك العبرة من وجه آخر { لقوم يؤمنون } وهو ألا يعلقوا قلوبهم في الرزق بالأسباب التي يكتسبون بها ، ولكن يرون الرزق من الله ؛ أنه يرزق بأسباب وبغير أسباب ، أو يذكر هذا لهم على أن من رفع الحاجة إلى آخر ، فلم يقضها ، فهو( {[16067]} ) يرى حرمانها من الله لا من ذلك الرجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.