الآية 36 وقوله تعالى : { وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون } إذا أريد أن يسوّى بين هذه الآية والآية التي قبلها ، وهي( {[16052]} ) قوله : { وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه } [ الروم : 33 ] إلى آخره ، ويجمع بينهما ، يكون قوله : { إذا هم يقنطون } من الأصنام التي يعبدونها أنه يقول في هذه الآية : { وإن تصبهم سيئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون } وفي الأولى يقول : { وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين } .
فوجه الجمع بينهما ما ذكرنا أن يكون القنوط من الأصنام ، والله أعلم ، كقوله : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } [ الإسراء : 67 ] أو أن يكون قوله : { إذا هم يقنطون } عندما امتد بهم الضر والشدة ، حينئذ ييأسون من رحمة الله . والأول في ابتداء ما أصابهم من الضر فزعوا إليه ، وأنابوا له . أو أن تكون إحدى الآيتين في قوم والأخرى في قوم آخرين ، لأنهم كانوا فرقا وأحزابا في الكفر والشرك :
منهم من كان يشرك في الأحوال كلها : في حال الضيق والسعة .
ومنهم من كان يشرك في حال الضيق ، فيؤمن في حال السعة كقوله : { ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه أنه ليئوس كفور } { ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور } . [ هود : 9 و10 ] وكقوله : { ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خبير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه } [ الحج : 11 ] .
ومنهم من كان يخلص الدين في حال الضر والشدة ، ويعاند ، ويتمرد في حال السعة والرخاء كقوله : { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } [ العنكبوت : 65 ] ونحوه .
فكانوا فرقا وأحزابا على ما ذكرنا . فجائز أن تكون إحدى الآيتين في فريق وقوم والآية الأخرى في قوم آخرين ، أو ما ذكرنا من اختلاف الأحوال يقنطون عندما يمتد( {[16053]} ) بهم الضر والشدة ، وينيبون( {[16054]} ) إليه عندما لم يمتد إليهم ذلك ، ولم يتطاول ، أو ما ذكرنا من القنوط من الأصنام والإنابة إلى الله كقوله : { ضل من تدعون إلا إياه } [ الإسراء : 67 ] وإلا الآيتان في الظاهر متناقضتان . ولكن الوجه فيهما( {[16055]} ) ما ذكرنا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.