السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (37)

{ أو لم يروا } أي : يعلموا { أن الله يبسط الرزق } أي : يوسعه { لمن يشاء } امتحاناً { ويقدر } أي : يضيق لمن يشاء ابتلاء ، وهذا شأنه دائماً مع الشخص الواحد في أوقات متعاقبة متباعدة ومتقاربة ومع الأشخاص ولو في الوقت الواحد ، فلو اعتبروا حال قبضه سبحانه لم يبطروا ، ولو اعتبروا حال بسطه لم يقنطوا بل كان حالهم الصبر في البلاء ، والشكر في الرخاء ، والإقلاع عن السيئة التي نزل بسببها القضاء .

ولما لم تغن عن أحد منهم في استجلاب الرزق قوّته وغزارة عقله ودقة مكره وكثرة حيله ، ولا ضرّه ضعفه وقلة عقله وعجز حيلته وكان ذلك أمراً عظيماً ومنزعاً مع شدّة ظهوره وجلالته خفياً دقيقاً قال بعضهم :

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه *** وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

أشار سبحانه إلى عظمته بقوله مؤكداً لأنّ عملهم في شدّة اهتمامهم بالسعي في الدنيا عمل مَنْ يظنّ أنّ تحصيله إنما هو على قدر الاجتهاد في الأسباب { إن في ذلك } أي : الأمر العظيم من الإقتار في وقت والإغناء في آخر والتوسيع على شخص والتقتير على آخر ، والأمن من زوال الحاضر من النعم مع تكرّر المشاهد للزوال في النفس والغير واليأس من حصولها عند المحنة مع كثرة وجدان الفرج وغير ذلك من أسرار آلائه { لآيات } أي : دلالات واضحات على الوحدانية لله تعالى وتمام العلم وكمال القدرة وأنه لا فاعل في الحقيقة إلا هو لكن { لقوم } أي : ذوي همم وكفاية القيام بما يحق لهم أن يقوموا به { يؤمنون } أي : يوجدون هذا الوصف ويديمون تجديده كل وقت لما يتواصل عندهم من قيام الأدلة بإدامة التأمّل والإمعان والتفكر والاعتماد في الرزق على من قال { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدّكر } ( القمر : 17 )

أي : من طالب علم فيعان عليه ، فلا يفرحون بالنعم إذا حصلت خوفاً من زوالها إذا أراد القادر ذلك ، ولا يغتمون بها إذا زالت رجاء في إقبالها فضلاً من الرازق ؛ لأنّ أفضل العبادة انتظار الفرج بل همهم بما عليهم من وظائف العبادة واجبها ومندوبها ، ومعرضون عما سوى ذلك قد وكلوا أمر الرزق إلى من تولى أمره وفرغ من قسمه وقام بضمانه وهو القدير العليم .