تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ} (39)

الآية 39 وقوله تعالى : { وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله } قال عامة أهل التأويل : هذا في العطايا التي يعطي بعضهم بعضا ، ويهدون ليصيبوا أكثر مما أعطوا ، وأهدوا مجازاة ومكافأة .

لذلك كأنه يقول : وما آتيتم من عطية وهدية { ليربوا في أموال الناس } لتزدادوا من أموال الناس ، ولتلتمسوا الفضل من أموالهم ، يقولون : هذا ربا حلال ، لا وزر فيه ، ولا أجر ، فهو مباح للناس عامة ، لا بأس به .

وأما قوله : { ولا تمنن تستكثر } [ المدثر : 6 ] فهو للنبي خاصة ؛ يقول : لا تعطه لتعطى أكثر منه ابتغاء الثواب في الدنيا ، ولكن أعط ابتغاء ثواب الآخرة . ويستدلون بإباحة ذلك بقوله : { فلا يربوا عند الله } ولم يقل ما قال في الربا المحرم المحظور حين( {[16077]} ) قال : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } [ البقرة : 276 ] .

ذكر المحق هنالك ، وههنا ذكر { فلا يربوا عند الله } أي لا يزداد ، ولا يتضاعف .

لكن لو قيل : إنها في الربا المحظور كان جائزا محتملا ، ويكون قوله : { فلا يربوا عند الله } كقوله : { فما ربحت تجارتهم } [ البقرة : 6 ] إذا لم تربح خسرت .

ألا ترى أنه قال : { أولئك هم الخاسرون } ؟ [ الأنفال : 37 ] دل أنها إذا لم تربح خسرت . فعلى ذلك قوله : { فلا يربوا عند الله } إذا لم يرب عنده بحقه ، وخسروا ، والله أعلم .

لولا صرف أهل التأويل التأويل إلى الهدايا والعطايا التي يبتغى بها الثواب في الدنيا ، والمكافآت فيها أكثر مما أعطوا . وإلا جاز صرفه إلى الربا المعروف بين الناس في العقود .

وكذلك روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( الهدية يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة ، والصدقة يبتغى بها وجه الله والدار الآخرة ) .

ثم بين ما الذي يربوا عند الله ، وهو ما قال : { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله } ثم اختلف فيه . [ منهم من ]( {[16078]} ) قال : هو ما يزكون من زكاة المال ، يريدون به وجه الله ، فهو الذي يقبله الله ، ويضاعف عليه .

ومنهم من قال : كل صدقة أعطاها أراد وجه الله ، لم يرد بها الثواب في الدنيا ، فهي التي تتضاعف ، وتزداد عند الله .

[ وقوله تعالى ]( {[16079]} ) : { فأولئك هم المضعفون } وكان مجيء أن يقال : { فأولئك هم } المضعفون بنصب العين( {[16080]} ) لأنه هو يضاعف لهم . لكن الزجاج يقول : هو كما يقال : الموسر ، هو الذي له إيسار ، والمقوى الذي له القوة ، ونحوه . فعلى ذلك : المضعف ، هو الذي له الضعف .

وعندنا ، هم المضعفون لأنهم هم الذين جعلوا الآحاد عشرات والأضعاف المضاعفة بتصدقهم ابتغاء وجه الله ، فهم المضعفون لنفسهم ذلك .

ثم يجوز أن يستدل بهذه الآية على إباحة هذه المعاملات التي تجري في ما بين الناس أجاز الهدية والعطية على قصد الفضل والزيادة ، وإن كان على شرط الزيادة لا يجوز . فعلى ذلك المعاملة تجوز على قصد الزيادة والفضل ، وإن كان على [ شرط الزيادة [ فلا يجوز ] ( {[16081]} ) .

لكن أبا حنيفة ، رحمه الله ، كره هذه المعاملات ، ولم يكره الهدية على قصد طلب الفضل لوجهين :

أحدهما : أن ليس العرف في الناس في الهدايا إعطاء الفضل ، وأن كان ]( {[16082]} ) قصد أولئك طلب الفضل ، لا محالة ، بل يكافئون مرة الأكثر /414-أ/ ولا يكافئون بعضا ، ويحرمون بعضا ، فلا يكره . وأما المعاملة فلا تكون إلا على قصد ذلك الفضل ، فلا يرضون منهم إلا حفظ المقصود فيها . وأهل العطايا والهدايا فيرضون بالثناء الحسن والشكر لهم ، وأهل المعاملة لا .

روي في بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ أنه قال ]( {[16083]} ) : ( من أسدي إليه نعمة فليجازه ، وإلا فليشكره ، وليثن عليه ) [ تاريخ أصبهان : 2/171 ] . أو كلام نحو هذا .

والثاني : أن أهل المعاملة يشترطون قبل المعاملة الزيادة ، وإن كانوا لا يشترطون في عقد المعاملة .

ولا كذلك أهل العطايا والهدايا ، بل يعرِّضون( {[16084]} ) تعريضا . لذلك افترقا( {[16085]} ) ، والله أعلم .


[16077]:في الأصل وم: حيث.
[16078]:من م، ساقطة من الأصل.
[16079]:ساقطة من الأصل وم.
[16080]:هذه قراءة أبي بن كعب، انظر معجم القراءات القرآنية ح 5/73.
[16081]:ساقطة من الأصل.
[16082]:ساقطة من م.
[16083]:ساقطة من الأصل وم.
[16084]:في الأصل وم: يتعرضون
[16085]:في الأصل وم: افترق.