نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (37)

ولذلك أنكر عليهم عدم الرؤية دالاً بواو العطف أن التقدير : ألم يروا في أنفسهم تبدل الأحوال ، قائلاً{[53129]} : { أولم يروا } أي بالمشاهدة والإخبار رؤية متكررة ، فيعلموا علماً هو في ثباته كالمشاهد المحسوس ، وعبر بالرؤية الصالحة للبصر والبصيرة لأن{[53130]} مقصود السورة إثبات الأمر كله لله ، ولا يكفي فيه إلا بذل الجهد وإمعان النظر ، والسياق لذم القنوط الذي يكفي في بقية المشاهدة لاختلاف الأحوال ، بخلاف الزمر التي مقصودها الدلالة على صدق الوعد الكافي فيه مطلق العلم{[53131]} .

{[53132]}ولما كان في البسط والقبض جمع بين جلال وجمال ، لفت الكلام بذكر الاسم{[53133]} الجامع فقال : { أن الله } بجلاله وعظمته { يبسط الرزق } أي يكثره { لمن يشاء } أي من عباده منهم ومن غيرهم { ويقدر } أي يضيق ، وإن هذا شأنه دائماً مع الشخص الواحد في أوقات متعاقبة متباعدة ومتقاربة ، ومع الأشخاص ولو في الوقت الواحد ، فلو اعتبروا حال قبضه سبحانه لم يبطروا{[53134]} ، ولو اعتبروا حال بسطه لم يقنطوا ، بل كان حالهم الصبر في البلاء ، والشكر في الرخاء ، والإقلاع عن السيئة التي نزل بسببها القضاء ، فقد عرف من حالهم {[53135]}أنهم متقيدون{[53136]} دائماً بالحالة الراهنة{[53137]} .

يغلطون في الأمور المتكررة المشاهدة ، فلا عجب في تقيدهم في إنكار البعث بهذه الحياة الدنيا .

ولما لم يغن عن{[53138]} أحد منهم في استجلاب الرزق قوته{[53139]} وغزارة عقله ودقة مكره وكثرة{[53140]} حيله ، ولا ضره ضعفه {[53141]}وقلة عقله{[53142]} وعجز حيلته ، وكان ذلك أمراً عظيماً ومنزعاً مع شدة ظهوره وجلالته خفياً دقيقاً كما قال بعضهم :كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه *** وجاهل جاهل تلقاه مرزوقاً

أشار سبحانه إلى عظمته بقوله ، مؤكداً لأن عملهم في شدة اهتمامهم{[53143]} بالسعي في الدنيا عمل من يظن أن تحصيلها إنما هو على قدر الاجتهاد في الأسباب : { إن في ذلك } أي الأمر العظيم من الإقتار في وقت والإغناء في آخر والتوسيع{[53144]} على شخص والتقتير على آخر ، والأمن من زوال الحاضر من النعم مع تكرر المشاهدة للزوال في النفس والغير ، واليأس من حصولها عند المحنة مع كثرة وجدان الفرج{[53145]} وغير ذلك من أسرار{[53146]} الآية { لآيات } أي دلالات واضحات على الوحدانية لله تعالى وتمام العلم وكمال القدرة ، وأنه لا فاعل في الحقيقة إلا هو لكن { لقوم } أي ذوي همم وكفاية للقيام بما يحق لهم أن يقوموا فيه { يؤمنون } أي يوجدون هذا الوصف ويديمون{[53147]} تجديده كل وقت لما يتواصل عندهم من قيام الأدلة ، بإدامة التأمل والإمعان في التفكر ، والاعتماد في الرزق على من قال{ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر }[ القمر : 17 ] أي من طالب علم فيعان عليه فلا يفرحون بالنعم إذا حصلت خوفاً من زوالها إذا أراد القادر ، و{[53148]} لا يغتمون بها إذا زالت رجاء في إقبالها فضلاً من الرازق{[53149]} ، لأن " أفضل العبادة انتظار الفرج " بل هم بما عليهم{[53150]} من وظائف العبادة واجبها ومندوبها معرضون عما سوى ذلك ، وقد وكلوا أمر الرزق إلى من تولى{[53151]} أمره وفرغ من قسمه وقام بضمانه ، وهو القدير العليم .


[53129]:في ظ: قليلا.
[53130]:ومن هنا استأنفت نسخة مد.
[53131]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[53132]:العبارة من هنا إلى "الجامع فقال" ساقطة من ظ ومد.
[53133]:في الأصل بياض، ملأناه من م.
[53134]:في ظ ومد: لم ينظروا.
[53135]:في ظ: يتقيدون.
[53136]:في ظ: يتقيدون.
[53137]:في ظ: الواهية.
[53138]:في ظ: عنهم.
[53139]:زيد من ظ وم ومد.
[53140]:زيد من ظ ومد.
[53141]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53142]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53143]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اهتمام.
[53144]:من م ومد، وفي الأصل وظ: التوسع.
[53145]:في ظ: الفرح.
[53146]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أسر.
[53147]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يدعون.
[53148]:زيد من ظ وم ومد.
[53149]:في ظ: الرزاق.
[53150]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: علمهم.
[53151]:في ظ: ولى.