تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ} (111)

الآية 111 وهو قوله تعالى { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى } قيل : الآية صلة قوله تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } إلى قوله : { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } [ الأنعام : 109 ] ثم قال : { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } الآية أخبر أنهم وإن [ نزل ]{[7619]} إليهم الآيات بعد السؤال منهم الآيات من إنزال الملائكة وتكليم الموتى فإنهم{[7620]} لا يؤمنون ؛ إذ سؤالهم الآيات سؤال تعنت واستهزاء وعناد لا سؤال استرشاد لأنهم قد جاءتهم آيات ، لو لم يعاندوا لآمنوا . ثم إذ علم منهم أنهم لا يؤمنون وإن ما يسألون ، إنما يسألون سؤال تعنت وعناد ، جعل فيهم خصالا على الخذلان من قساوة القلب حتى أخبر أن قلوبهم أقسى من الحجارة ومن نحو البغض والجهالة وغير ذلك من الخصال ما يدل على ما ذكرنا ، وهو قوله تعالى : { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون } [ الحجر : 14 ] عن تعنتهم ومكابرتهم .

وفيه دليل على أن الآيات لا تضطر أهلها إلى{[7621]} الإيمان لأنه قال { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا } لأنه لو كانت آية تضطرهم إلى الإيمان لكانت هذه .

وهذا يدل على أن معنى قوله تعالى : { وإن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } [ الشعراء : 4 ] أنهم لا يؤمنون بالآية . ولكن إذا شاء أن يؤمنوا لآمنوا ، ولو كانت الآيات تضطر أهلها إلى الإيمان به لكان لا آية أعظم من [ معاينة ]{[7622]} القيامة ، ولا أبين منها .

ثم أخبر عنهم أنهم لو { ردوا لعادوا لما نهوا عنه } [ الأنعام : 28 ] وقال : { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] قد كذبوا عند معاينتهم القيامة والعذاب . فبهذا يدل على أن الآية لا تضطر أهلها إلى{[7623]} الخضوع بالدلائل التي ذكرنا .

وقوله تعالى : { إلا أن يشاء الله } قال الحسن : هذه المشيئة مشيئة القدرة ؛ أي لو شاء الله أن يعجزهم حتى يؤمنوا وهو كقوله تعالى : { ولو نشاء لطمسنا على أعينهم } { ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم } [ يس : 66 و 67 ] ونحوه . فهذه المشيئة مشيئة القدرة . لكنا نقول : إنه أخبر أنه لو شاء أن يمسخهم لمسخهم ، وقال أيضا : إنه لو شاء أن يهديهم لهداهم ولو شاء أن يهتدوا لاهتدوا . وكذلك يقول المعتزلة : إن المشيئة ههنا مشيئة القهر والجبر ، وقد ذكرنا ألا يكون في حال القهر والجبر إيمان ، فيصير على قولهم { إلا أن يشاء الله } أن يؤمنوا ، فآمنوا ، فلا يكون إيمانا .

وقوله تعالى : { وحشرنا عليهم كل شيء قبلا } اختلف في تلاوته وتأويله [ روي عن الحسن أنه }{[7624]} قال : قبلا مقابلة .

وعن قتادة{[7625]} : قبلا عيانا حتى يعاينوا ذلك معاينة { ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله } أن يؤمنوا ، فيؤمنوا ، وعن مجاهد { قبلا } أي أفواجا { قبلا } .

وفي حرف أبي عمرو بن العلاء : { وحشرنا عليهم كل شيء قبلا } يقول : جبيلا فجبيلا ، وفي حرف أبي [ بن كعب ]{[7626]} : { قبلا } أي [ جمع قبيل ]{[7627]} . وقال القتبي { قبلا } أي جماعة جماعة و{ قبلا } أي أصنافا .

ويقال : القبيل الكفيل ، كقوله تعالى : { أو تأتي بالله والملائكة قبيلا } [ الإسراء : 92 ] أي ضمينا كفيلا . قال الكسائي : من قرأها { قبلا } فقد يكون جمع القبيل مثل الجبيل والجبل ، وقد يكون القبل أيضا من معنى الإقبال كقوله تعالى : { ومن قبل } وقوله{[7628]} : { من دبر } [ يوسف : 26 و 27 ] ومن قرأها قبلا أراد معاينة .

وقال أبو عوسجة : كل شيء{[7629]} قبل ، يقال : أتانا الناس قبلا أي كلهم وقبلا من المقابلة .

وتأويله ما ذكرنا : أن لو فعلنا هذا كله من إنزال الملائكة إليهم وتكليم الموتى إياهم { وحشرنا عليهم كل شيء } فأخبروهم بالذي يقول محمد : إنه حق { ما كانوا ليؤمنوا } به { إلا أن يشاء الله } لهم الإيمان ، فيؤمنوا .

وفيه ما ذكرنا من الدليل أن الآيات لا تضطر أهلها إلى الإيمان بها { إلا أن يشاء الله } أن يؤمنوا ، فحينئذ يؤمنون .

وقوله تعالى : { ولكن أكثرهم يجهلون } أي لكن أكثرهم لا ينتفعون بعلمهم .


[7619]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7620]:- في الأصل وم: إنهم.
[7621]:- في الأصل وم: على.
[7622]:- ساقطة من الأصل وم.
[7623]:- في الأصل وم: على.
[7624]:- في الأصل وم: عن الحسن.
[7625]:- أدرج بعدها في الأصل وم: كذلك.
[7626]:- ساقطة من الأصل وم.
[7627]:- في الأصل وم: قبيلة.
[7628]:- في الأصل وم: و.
[7629]:- في الأصل وم: قبلا.