تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالُواْ هَٰذِهِۦٓ أَنۡعَٰمٞ وَحَرۡثٌ حِجۡرٞ لَّا يَطۡعَمُهَآ إِلَّا مَن نَّشَآءُ بِزَعۡمِهِمۡ وَأَنۡعَٰمٌ حُرِّمَتۡ ظُهُورُهَا وَأَنۡعَٰمٞ لَّا يَذۡكُرُونَ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا ٱفۡتِرَآءً عَلَيۡهِۚ سَيَجۡزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (138)

الآية 138 وقوله تعالى : { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } هذه الآية صلة قوله : { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا } [ الأنعام : 136 ] هذا الذي جعلوا للشركاء هو الحجر الذي ذكر في هذه الآية ؛ لأنهم كانوا ينتفعون بذلك ، ويحرمونه ، وهو حجر .

وأصل الحجر المنع . وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[7806]} قال : الحجر ما حرموا [ على ]{[7807]} أنفسهم من أشياء من الوصيلة والسائبة والحامي ، وتحريمهم ما حرموا من أشياء ؛ كانوا يحلون أشياء ، حرمها الله ، ويحرمون أشياء أحلها الله في الجاهلية من الحرث والأنعام .

وفي حرف [ أبي [ بن كعب ]{[7808]} وابن عباس رضي الله عنها ]{[7809]} خرج على تأخير الجيم وتقديم الراء . وعن الحسن حجر برفع الحاء{[7810]} .

وأصل الحجر المنع ، ممنوع محجور ؛ يقال : حجرت عليه ، أي منعته ، والحجر أيضا موضع بمكة ، والاحتجار الاستئثار ، وهو أن يأخذ الشيء ، ولا يعطي منه أحدا شيئا .

وقوله تعالى : { لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } قال بعضهم : قوله تعالى : { إلا من نشاء } يعني { لا يطعمها إلا من } يشاء الله ؛ لأنهم كانوا يحرمون أشياء ، ويأتون بفواحش ، فيقولون : إن الله أمرهم بذلك كقوله تعالى في الأعراف { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها } [ الآية : 28 ]

وقال بعضهم : قوله تعالى : { إلا من نشاء بزعمهم } يعني الذين سنوا لهم ، أي { لا يطعمها إلا من نشاء } قد ذكرت لكم : أول من بدل دين إسماعيل ، وبحر البحيرة والسائبة أولئك الذين سنوا ذلك ، وحرموا ذلك على نسائهم على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن شئت قد ذكرت لكم أول من بدل دين إسماعيل وبحر البحيرة والسائبة ) [ بنحوه البخاري 3521 ] فعلى ذلك أضافوا المشيئة إلى أولئك الذين سنوا ذلك ، وحرموا على إناثهم ، وأحلوا للذكور{[7811]} .

وقال بعضهم : قوله تعالى : { إلا من نشاء } هؤلاء الرجال ؛ كانت مضافة إلى الرجال دون النساء . وفي ذلك تسفيه أحلامهم ؛ لأنهم ينكرون الرسالة لمكان ما يحرمون من الطيبات ، ثم يبتغون الذي حرم عليهم من الطيبات التي أحلها الله لهم من البحيرة والسائبة ونحوهما .

وقوله تعالى : { وأنعام حرمت ظهورها } هو ما ذكر من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، وهو الحجر الذي ذكر في هذه الآية : يجعلون تلك الأشياء لشركائهم ، لا ينتفعون بها .

وقوله تعالى : { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } قيل فيه بوجوه : قيل : { لا يذكرون اسم الله عليها } أي لا ينتفعون بها ليعرفوا أنعم الله ، ليشكروا الله عليها . وقيل : { لا يذكرون اسم الله عليها } أي لا يذبحون للأكل ، و{ لا يذكرون اسم الله عليها } . ويحتمل { لا يذكرون اسم الله عليها } وقت الركوب كما يذكر اسم الله عليها وقت الركوب ، وهو قوله تعالى : { سبحان الذي سخر لنا هذا } [ الزخرف : 13 ] لأنهم كانوا لا يركبونها ، ولكن يسيبونها . وقيل : لا يحجون عليها . والأول كأنه أقرب ؛ كانوا لا ينتفعون بها ليعرفوا أنعم الله ، ويشكروا عليها .

وقوله تعالى : { افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون } بأن الله أمرهم بذلك ، وهو حرم عليهم ، وهو أحل ؛ فذلك هو الافتراء على الله ، أو بما أشركوا شركاءهم في عبادة الله وفي نعمه .


[7806]:- ساقطة من الأصل وم.
[7807]:- ساقطة من الأصل وم.
[7808]:- ساقطة من الأصل.
[7809]:- في م: ابن عباس رضي الله عنه.
[7810]:- انظر معجم القراءات القرآنية [2/322].
[7811]:- من م، في الأصل: الذكور لهم.