تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

الآية 125وقوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } قيل : ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، فقال : نور يقذف فيه ، فقالوا : وهل لذلك علامة ؟ قال : نعم ، إذا دخل النور في القلب انشرح ، وانفسح ، قالوا : يا رسول الله وهل لذلك من علامة يعرف بها ؟ قال : نعم ؛ الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت ) [ السيوطي في الدر المنثور 3/ 354 ] .

فلو ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان{[14]} انشراح الصدر للإسلام ؛ فقليلا ما يوجد على هذا الوصف إلا أن يريد به الاعتقاد والتيقن بما ذكر .

ثم اختلف في تأويل قوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } قال بعض أهل التأويل : الإرادة صفة كل فاعل يفعل على الاختيار ؛ كأنه قال : فمن يهد الله { يشرح صدره للإسلام } [ ومن يضله { يجعل صدره ضيقا } ]{[15]} .

وقال فريق من المعتزلة من نحو جعفر بن حرب والكعبي ، وهؤلاء تأويلهم{[16]} { فمن يرد الله أن يهديه } أي من قبل هداية الله في الابتداء شرح الله صدره بعد ذلك بخيرات ثوابا لما قبل من الهداية ، ومن ترك قبول هداية الله في الابتداء عاقبه الله بضيق صدره عقوبة له في ترك قبول الهداية ، وإلا قد أراد الله أن يهدي الخلق كلهم ، وأن يشرح صدورهم{[17]} للإسلام ، لكنهم لم يهتدوا . وقال فريق منهم : { فمن يرد الله أن يهديه } طريق الجنة في الآخرة جعل صدره في الدنيا ضيقا حرجا .

فيقال لهم : كذلك هو كما تقولون{[18]} : إنه أراد أن يضلهم ، ثم يقال لهم : تقولون : إنه أراد أن يهدي الخلق كلهم ، ويشرح صدورهم{[19]} للإسلام ، ثم تقولون : إنه [ أراد أن يضلهم عن ]{[20]} طريق الجنة في الآخرة ؛ فهذا على زعمكم جور ، لأنه أراد في الدنيا أن يهديهم ، ويريد في الآخرة{[21]} أيضا لهم أن يضلهم عن طريق الجنة ، لأولئك بعينهم ؛ فذا جور على قولكم .

وظاهر الآية يرد قولهم ، وينقض مذهبهم لأنه قال : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره } كذا ، جعلهم على صنفين : صنف{[22]} أراد لهم{[23]} أن يهديهم ، وصنف{[24]} أراد أن يضلهم ؛ من علم منه أنه يختار الهدى ، ويقبله ، أراد أن يهديه ، ويشرح { صدره للإسلام } ومن علم منه أنه يختار الضلال أراد أن يضله ، ويجعل { صدره ضيقا حرجا } .

ولا يجوز أن يريد هو ممن يعلم منه أنه يختار الضلال وعداوته الولاية منه لأن ذلك من الضعف [ في ]{[25]} من أراد عداوته ، وهو يريد ولايته ، أو يريد منه غير الذي علم كونه منه واختياره{[26]} . والمعتزلة يقولون : قد أراد أن يهدي الكل ، لكنهم أرادوا ألا يهتدوا ، فلم يهتدوا ؛ غلبت إرادتهم إرادة الله تعالى ، فذلك وحش من القول سمج ، فنعوذ بالله من السرف في القول والزيغ عن الحق ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله تعالى : { ضيقا حرجا } قيل : الحرج ضيق الضيق ، وهو شدة الضيق ؛ وصف قلب المؤمن بالسعة والفسح ، ووصف [ قلب ]{[27]} الكافر بالضيق والحرج ، وليس قلب هذا في رأي العين أوسع من قلب الآخر ، لكنه ، والله أعلم ، وصف قلب المؤمن بالسعة لما انتفع بقلبه في الدنيا والآخرة ، والكافر لم ينتفع بقلبه ، فوصفه بالضيق والحرج ، وهو كما وصف الكافر بالصمم والبكم والخرس لما لم ينتفع بهذه الحواس ، وكذلك سماه ميتا لما لم ينتفع بحياته ، وسمى المؤمن حيا لما انتفع بحياته ، فعلى ذلك هذا ؛ وصف الكافر بضيق الصدر لما [ لم ]{[28]} ينتفع به .

وقوله تعالى : { كأنما يصعد في السماء } قيل : كالمتكلف الصعود إلى السماء ، لا يقدر عليه . وقيل : { كأنما يصعد في السماء } كأنما يشق عليه الصعود . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ما [ تصعدني شيء ما تصعدني ] الخطبة ، أي ما شق علي شيء ما شق علي الخطبة .

وقوله تعالى : { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } اختلف في الرجس : قيل : الرجس الإثم أي كما جعل قلوبهم ضيقة حرجة بكفرهم كذلك يجعل في قلوبهم الإثم ، وقيل : الرجس اللعن والغضب ؛ أي جعل في قلوبهم اللعن والغضب . دليله قوله تعالى : { قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب } [ الأعراف : 71 ] .


[14]:- في ط ع: معه، ساقطة من الأصل.
[15]:- في ط م: المحبة والخلق.
[16]:- ساقطة من ط م.
[17]:- ساقطة من ط م.
[18]:- من ط م، في ط ع: الله ساقطة من الأصل.
[19]:- في ط م: أنه.
[20]:- من ط م، في الأصل: يجيء، في ط ع: يسمي.
[21]:- من ط ع.
[22]:- الواو ساقطة من الأصل و ط م.
[23]:-في ط ع: من التربية، ساقطة من الأصل و ط م.
[24]:- في ط ع: إن.
[25]:- أدرج قبلها في ط م و ط ع: أنه.
[26]:- في النسخ الثلاث: أنه سيد.
[27]:-في الأصل: بجميع.
[28]:- من ط م و ط ع.