تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَا تُطِعِ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (8)

الآية 8 وقوله تعالى : { فلا تطع المكذبين } كقوله{[21781]} في موضع آخر { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } [ الإنسان : 24 ] .

ليس في قوله : { فلا تطع المكذبين } أمر من الله تعالى بأن يطيع المصدقين ، فمن صدقه وآمن به لا يجوز أن يتقدم بين يديه ، فيأمره أو ينهاه عن أمر ، ويدعوه إلى الطاعة ، بل ينظر إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهيه ، فيأتمر بأمره ، ويطيعه في ما يدعوه إليه .

وأما من كذبه فقد يدعوه إلى طاعته ، فخص ذكر المكذب عندما نهاه عن طاعته ، لأن الدعاء إلى الطاعة يوجد لا من المصدق دون أن يتضمن قوله : { فلا تطع المكذبين } أمرا بطاعة المصدق ، وهو كقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } [ الإسراء : 31 ] فليس فيه أنه إذا لم يخش الإملاق يسعه قتله ، ولكنه خص تلك الحالة ، لأن تلك الحالة هي التي كانت تحملهم إلى القتل ، ولم يكونوا يقدمون على القتل عند الأمن من الإملاق .

وفي هذا دلالة إبطال قول من قال : إن تخصيص الشيء بالذكر ، يدل على أن الحكم في ما غايره بخلافه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { المكذبين } هم المكذبون بآيات الله تعالى أو بوحدانيته أو برسله أو بالبعث .

ثم يجوز أن يكون هذا الأمر منهم في أول الأحوال ، فكانوا يطمعون من رسول الله الإجابة لهم في ما يدعون إليه ؛ إذ كانوا يرجون منه الموافقة لهم بما يبذلون له من المال ، فيكون النهي راجعا إلى ذلك الوقت .

فأما بعد ما ظهرت منه الصلابة والتشمير لأمر الله تعالى ، فلا يحتمل أن يطيعهم ، أو يخاف منهم{[21782]} ذلك ، فينهى عنه .


[21781]:في الأصل و م: وقال.
[21782]:في الأصل و م: منه.