تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ} (9)

وجائز أن يكون دعاؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر من قوله : { ودوا لو تدهن فيدهنون } ، والمداهنة هي الملاطفة والملاينة في القول .

ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر آلهتهم بسوء ، ويسفّههم بعبادتهم إياها ، ويسفه أحلامهم ، ويجهّلهم ، وهم لم يكونوا يجدون في رسول الله صلى الله عليه وسلم مطعنا ، فكانوا ينسبونه إلى الكذب مرة ، وإلى الجنون ثانيا ، وإلى السحر ثالثا ، وكانوا يتخذونه هزوا إذا رأوه ، فكانوا يطعنون فيه من هذه الأوجه ، بإزاء ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسفههم ، ويذكر آلهتهم بسوء ، مع علمهم أنه ليس بكذاب ولا ساحر ولا كاهن .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك } [ الأنعام : 33 ] فأخبر تعالى أنهم ليسوا يكذبونه لما وقفوا منه على الكذب ، بل كانوا عرفوه بالأمانة والصدق ، ولم يكونوا وقفوا منه على كذب قط ، وإنما الذي حملهم على التكذيب واتخاذهم إياه هزوا ذكره{[21783]} آلهتهم بسوء ، ولذلك{[21784]} قال : { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم } [ الأنبياء : 36 ] فكانت معاملتهم هذه مجازاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

الآية 9 وقوله تعالى : { ودوا لو تدهن فيدهنون } يخرّج على هذا ، إن شاء الله تعالى ، هو أنك لو تركت ذكر آلهتهم بسوء ، ولم تسفه أحلامهم ، لامتنعوا أيضا عما عليه من نسبتهم إياك إلى الجنون والسحر والكذب وغير ذلك . ولكنه كان يذكرهم ، وهو في ذلك بحق ، وهم كانوا يذكرونه بما قالوا بالباطل والزور ، فيكون قوله : { فلا تطع المكذبين } في ما يدعونك إلى المداهنة .

ثم هم لو داهنوا كانوا في مداهنتهم محقين ، فإن تركوا ذلك فقد تركوا الحق الذي كان عليهم .

ورسول الله صلى الله عليه وسلم لو داهنهم لم يكن في مداهنتهم محقا . فلذلك نهي عن المداهنة . وقال بعض المفسرين : { ودوا لو تدهن فيدهنون } أي لو ترفض ما أنت عليه من الدين ، وهذا لا يستقيم لأنه إذا رفض ما هو عليه من الدين كفر ، وهم لو تركوا ما هم عليه صاروا مسلمين ، فيبقى بينهم الاختلاف الذي لأجله{[21785]} دعوا إلى المداهنة ، وودوها .


[21783]:الهاء ساقطة من الأصل و م
[21784]:في الأصل و م: و كذلك
[21785]:زيد بعدها في الأصل و م: ما