الآية 2 وقوله تعالى : { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } فموضع القسم هذا : أقسم بما ذكر : { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } يحتمل أوجها :
أحدها : أن نعمة ربك حفظتك من الجنون ؛ نفى عنه الجنون بقوله : { ما أنت } بما أنعم الله عليك { بمجنون } وهذا كما يقال : ما أنت يا محمد بحمد الله بمجنون ، يراد به نفي الجنون .
والثاني : أنك لست ممن خدعته النعمة ، واغترّ بها حتى شغلته عن العمل بمآله [ وما ]{[21767]} عليه .
والمجنون بالنعمة هو الذي غرته النعم ، وألهته عن التزود للمعاد .
[ والثالث ]{[21768]} ما أنت بغافل عن نعمة ربك ، بل تذكرها ، وتشكر الله عليها .
والمجنون من غفل عن النعمة ، وأعرض عن شكرها .
[ والرابع : أن ]{[21769]} الكفرة كانوا ينسبونه إلى الجنون : إما لما كان [ يغشاه بثقل ]{[21770]} الوحي ، فكانوا ينسبونه بهذا [ إلى الجنون ]{[21771]} وإما لما رأوا أنه خاطر بنفسه وروحه حين{[21772]} خالف أهل الأرض ، وفيها الجبابرة والفراعنة ، وانتصب لمعاداتهم . ومن قام بخلاف من لا طاقة له معه ، وانتصب لمعاداته ، فذلك منه في الشاهد جنون . فأجاب الله تعالى للفريقين جميعا :
أما الأول فبقوله{[21773]} : { قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة } [ سبإ : 46 ] أي كيف تنسبونه إلى الجنون ، وعند الإفاقة من تلك الغشية يأتيكم{[21774]} بحكمة وموعظة ، يعجز حكماء الجن والإنس عن إتيان مثلها{[21775]} ، وليس لك من علم المجانين ولا مما يمكن تحصيله في حال الجنون ، لأن المجنون إذا أفاق من غشيته تكلم بكلام لا يعبأ بمثله ولا يكترث .
وأجاب لمن كان نسبه على الجنون لما [ رأوه ]{[21776]} خاطر بروحه ونفسه بقوله : { إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد } [ سبإ : 46 ]
فأخبر أن الذي حمله على المخاطرة بروحه وجسده ، هو أنه مأمور بالتبليغ والنذارة ؛ فهو يقوم بما أمر ، وإن أدى ذلك إلى إتلاف النفس .
ثم بحمد الله لم يتهيأ للفراعنة أن يقتلوه ، ولا تمكنوا من المكر به ، بل أظفره الله تعالى عليهم حتى قتلهم ، ورد كيدهم في نحورهم ، فصار الوجه الذي استدلوا به على جنونه آية رسالته ودلالة نبوته ، والله الهادي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.