الآية 27 وقوله تعالى : { يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } قال بعضهم : خاطب به أهل مكة في تكذيبهم رسول الله ومخالفتهم أمره في ألاّ يخرجكم من الأمن والسعة { كما أخرج أبويكم من } دار الأمن والسعة . وقال بعضهم : قوله تعالى{ لا يفتننّكم الشيطان } أي احذروا دعاءه إلى ما يدعوكم إليه فإنه يمنع عنكم في الآخرة الكرامة والثواب { كما أخرج أبويكم من } دار الكرامة والمنزلة .
وقال أهل التأويل : { لا يفتننّكم الشيطان } أي لا يضلّنّكم الشيطان [ ولا ]{[8221]} يغوينّكم كما فعل بأبويكم{[8222]} : أخرجهما من الجنة ، وقال آخرون : قوله تعالى : { لا يفتننّكم الشيطان } بما تهوى به أنفسكم ، وتميل{[8223]} إلى شهواتها وأمانيها { كما أخرج أبويكم من الجنة } بما هوته [ نفساهما وشهواتهما ؛ يحذّرهما ]{[8224]} اتباع هوى النفس وشهواتها وأمانيها ؛ فإن السبب الذي به كان إخراجهما هو هوى النفس وأمانيها .
وقوله تعالى : { ينزع عنهما لباسهما } يحتمل قوله : { ينزع عنهما لباسهما } وهذا في القرآن كثير : يفعل بمعنى فعل ، ويحتمل على الإضمار ؛ كأنه قال : أراد أن ينزع { عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما } وقد ذكر أن المفروض من الستر هو ستر العورة ، احتيج إليه أو لم يحتج . وأما غيره من الستر فإنما هو لدفع الأذى من الحر والبرد . والمفتون بالشيء هو المشغوف به والمولع به ؛ يقول : { لا يمنعكم عن دخول الجنة { كما أخرج أبويكم من الجنة } هو كان قصده ما ذكر من نزع اللباس وإبداء العورة ، وهو ما ذكر .
وقوله تعالى : { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } قيل : قبيله : جنوده وأعوانه . حذّرنا [ من ]{[8225]} إبليس وأعوانه بما يروننا ، ولا نراهم . فإن قيل : كيف كلّفنا محاربته ، وهو بحيث لا نراه ، وهو يرانا ، ومثله في غيره من الأعداء لا يكلّفنا محاربة من لا نراه ، ولا نقدر [ على ]{[8226]} القيام بمحاربته ، وليس في وسعنا القيام بمحاربة من لا نراه ؟
قيل : إنه لم يكلّفنا محاربته إذ لم يجعل له السلطان /171-ب/ على أنفسنا وإفساد مطاعمنا ومشاربنا وملابسنا . ولو جعل لهم لأهلكوا أنفسنا ، وأفسدوا غذاءنا . إنما جعل له السلطان في الوساوس في ما يوسوس في صدورنا ، وقد جعل لنا السبيل إلى معرفة{[8227]} وساوسه بالنظر والتفكّر نحو قوله تعالى : { وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } الآية [ الأعراف : 200 ] وقوله تعالى : { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين } [ المؤمنون : 97 ] وقوله تعالى : { إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا } [ الأعراف : 201 ] علمنا ما به ندفع وساوسه وهمزاته ، وجعل لنا الوصول إلى دفع وساوسه بحجج وأسباب جعلها{[8228]} لنا .
فهذا يدل على أن الله يجوز أن يكلّفنا بأشياء ، لم يعطنا أسباب تلك الأشياء بعد أن جعل في وسعنا الوصول إلى تلك الأسباب ، وإن لم يكن وقت التكليف بتلك الأسباب من نحو الأمر بالصلاة ، وإن لم نكن على الطهارة ؛ إذ جعل في وسعنا{[8229]} الوصول إلى الطهارة ، ونحو الأمر بالزكاة ، وإن لم يكن وقت الأمر من تؤدّى إليه حاضرا ، ونحو الأمر بالحج وغيره من العبادات ، وإن كان لا يصل إلى أداء ما [ فرض الله ]{[8230]} عليه إلا بعد أوقات مع احتمال الشدائد .
وهذا يردّ أيضا على قول من يقول{[8231]} : لا تلزم الأوامر والمناهي من جهلها ، ولا يكلّف إلا بعد العلم بها ، لأنه لا يتكلّف من لا يلزمه فرض من فرائض [ الله ]{[8232]} وعبادة من عبادته ؛ لأنه لا يكسب أسباب العلم لئلا يلزمه{[8233]} ذلك . فهذا بعيد محال ، والوجه فيه ما ذكرنا .
وقوله تعالى : { إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون } اختلف أهل الاعتزال فيه ؛ قال أبو بكر الأصمّ : الجعل من الله على وجوه :
أحدها : السبب الذي أعطينا لهم [ هو ]{[8234]} السبب الذي به صاروا أولياء لهم كما يقول الرجل لآخر : جعلت لك الدار والعبيد والمال ، ولم يجعل له ذلك ، ولكن أعطاه ما به صار ذلك [ له ]{[8235]} ، وهو إنما أعطاه سبب ذلك ، فأضاف{[8236]} الجعل إليه . فعلى ذلك ما أضاف الجعل إليه لما أعطاه السبب .
وقال جعفر بن حرب : الجعل هو التّخلية ، خلّى بينهم وبين ذلك ، فأضاف ذلك إليه بالجعل كما يقال للرجل : جعلت عبدك قتّالا ضرّابا إذا خلّى بينه وبين ما يفعله ، وهو قادر على منعه{[8237]} . فعلى ذلك في ما أضاف الجعل إلى نفسه ، هو أن خلّى بينهم وبين أولئك يعملون ما شاءوا .
وقال الحسن : من حكم الله أن من عصى يكون عدوّا له ، ومن أطاع يكون وليا له ، ومن أطاع الشيطان فهو وليّه ، ومن عصاه يكون عدوّا له . فكذا حكم الله تعالى في كل من أطاعه ، يكون وليّا له ، ومن عصاه يكون عدوّا له .
وقال غيرهم من المعتزلة : قوله تعالى : { إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون } أي [ أوجدناهم لذلك ]{[8238]} أولياءهم .
ولكن لو جاز إضافة ذلك إلى الله تعالى [ لما ]{[8239]}ذكر هؤلاء لجاز إضافة ذلك إلى الأنبياء ، لأنه قد كان منهم التّخلية في ذلك والتسمية لهم بذلك والحكم على ما قال الحسن والوجود . فإن لم يجز إضافة ذلك إليهم دلّ أنه قد كان من الله في ذلك صنع ، لم يكن من الأنبياء ، وهو أن خلق منهم فعل الولاية لهم لمّا علم منهم أنهم يختارون ولايتهم ، ويتولّونهم كقوله تعالى : { إنما سلطانه على الذين يتولّونه } [ النحل : 100 ] وبالله العصمة والنجاة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.