الآية 26 وقوله تعالى : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم } قال ابن عباس رضي الله عنه والحسن : أنزلنا ماء القراح من السماء ليتخذ منه اللباس ما يواري عورتهم ، ويتخذ منه الطعام والأشياء التي بها قوام أنفسهم .
ويحتمل قوله تعالى : { قد أنزلنا عليكم لباسا } أنزل الماء والأسباب التي بها يتخذ اللباس والأطعمة والأشربة ، والعلم في ذلك الماء [ وأسباب العلم ]{[8216]} بذلك . وإلا ما عرف الخلق أن كيف يتخذ ذلك لباسا والأطعمة والأشربة ؟ .
وفيه دليل إثبات الرسالة لأنهم لم يعرفوا ذلك إلا بوحي من السماء . أو أن يكون قوله تعالى : { أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا } أي جعل لكم ، وأنشأ لكم ما تتخذون منه اللباس والطعام والشراب ، ليس على الإنزال ، ولكن على أن جعل لكم ذلك كقوله تعالى : { جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون } [ غافر : 79 ] . وقوله تعالى : { جعل لكم } أي أنشأ لكم { سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم } [ النحل : 81 ] وهو أن خلق لنا ذلك .
وفيه دليل خلق أفعال الخلق فيه ؛ لأنه إنما صار لباسا وطعاما ؛ وما لا يفعل من العباد أنه أنزل من السماء هكذا .
ثم أخبر أنه جعل لنا ذلك . دلّ أنه خلق فعل الخلق فيه .
وقوله تعالى : { وريشا } قال بعضهم : مالا ، وقال بعضهم معاشا ، وقال القتبيّ : الريش ما ظهر من اللباس ، وريش الطائر وما ستر به .
وقوله تعالى : { ولباس التقوى } فيه حرف ابن مسعود رضي الله عنه { ولباس التقوى } بالرفع على الابتداء ، أي لباس التقوى خير ، ومن نصبه أيضا [ فإنما ]{[8217]} ينصبه على الجواب لما تقدم ، وإلا الحق فيه الرفع .
ثم اختلف فيه أهل التأويل : قال الحسن : لباس التقوى الدين ، وقال أبو بكر الأصمّ : القرآن ، وقيل : العفاف ، وقيل الحياء ، وقيل : الإيمان ، فكله واحد ؛ أي كل ما ذكر من لباس التقوى خير من اللباس الذي يرتدى{[8218]} ؛ لأن الدين والإيمان والقرآن والحياء يزجره ، ويمنعه عن المعاصي ، فهو خير ، لأنه لباس في الدنيا والآخرة ؛ لأن المؤمن التقيّ العفيف الحييّ ، لا تبدو [ منه ]{[8219]} عورة ، وإن كان عاريا من الثياب ، وإن الفاجر لا يزال تبدو منه عورته ، وإن كان كاسيا من الثياب ، ولا يتحفظ في لباسه . فالتقوى خير ، وهو كقوله تعالى : { فإن خير الزّاد التقوى } [ البقرة : 97 ] هذا التأويل للقراءة التي تقرأ بالرفع { ولباس التقوى } على الابتداء ، وأما من قرأ بالنصب فهو ردّه إلى قوله تعالى : { قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا } ثم أنزلنا عليكم أيضا ريشا تتقون به الحرّ والبرد والأذى ، فيكون فيه ذكر لباس لسائر البدن ، وفي الأول ذكر لباس العورة .
وقوله تعالى : { ذلك من آيات الله } يحتمل قوله تعالى : { ذلك } الذي اتخذ منه اللباس والأطعمة والأشربة من آيات الرسالة ؛ لأن كل ذلك إنما عرف بالرسل بوحي ؛ وهو ما ذكرنا أن فيه دليل إثبات الرسالة .
ويحتمل { ذلك من آيات الله } من آيات وحدانية الله وربوبيته لما جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض مع ما بعد ما بينهما . دلّ ذلك أن منشئهما ومدبّرهما واحد ؛ لأنه لو كان تدبير اثنين ما اتّسق تدبيرهما لاتصال منافع أحدهما بالآخر .
وقوله تعالى : { لعلهم يذّكّرون } أي لعلهم [ يوفّقون للتذكّر ، وقوله تعالى ]{[8220]} : { لعلهم يتقون } [ البقرة : 187 و . . . ] أي لعلهم يوفّقون للتقوى ، ولعلهم يوفّقون للشكر ؛ لأنه حرف شك . هذا يحسن أن يقال ، والله أعلم . أو نقول : لكي يلزمهم التذكّر والتّشكّر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.