تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (22)

الآية 22 وقوله تعالى : { فدلاّهما بغرور } قال أبو عوسجة : { فدلاّهما بغرور } أي أوردهما ؛ يقال : دلاّني فلان بحبل غرور ؛ أي أنه زيّن النصح{[8170]} حتى يركبه . وأصل التدلية من الدلو ، وهو من الدعاء ؛ أي دعاهما بغرور ، [ أي دعا ]{[8171]} إياهما بغرور ؛ وهو قوله تعالى : { هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } [ طه : 120 ] وقوله تعالى : { إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } [ الأعراف : 20 ] .

وقوله تعالى : { بدت لهما سوءاتهما } [ وفيه وجهان :

أحدهما : إن ]{[8172]} قيل : كيف خصّ السّوأة بالذكر ، ومنّته في كل البدن لا في السّوأة خاصة ؟ وكذلك قوله تعالى : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكما } [ الأعراف : 26 ] ذكر منّته في ما أنعم علينا من ستر العورة وفي غيره من البدن من دفع البرد والحر وغير ذلك .

قيل : لأن كشف العورة مستقبح في الطّبع والعقل جميعا . وأما كشف غيرها{[8173]} من البدن فليس هو مستقبح في الطبع ولا في العقل ، وربما يبدي المرء غيرها{[8174]} من البدن سوى العورة عند الحاجة ، ويستر عند غير الحاجة . وأما العورة فإنه لا يبديها{[8175]} إلا في حال الضرورة ؛ لذلك كان ما ذكروا : أن يقال : إن المفروض{[8176]} . من الستر هو قدر الضرورة ، والآخر يليه إما بحق التحمّل وإما بحق دفع البرد والحرّ والأذى ؛ لذلك تخصيصها{[8177]} بالذكر ، والمنة{[8178]} والنعمة عظيمة في لباس غيرها{[8179]} من البدن .

فإن قيل : إن الله كنّى عن الجماع مرة باللمس ومرة بالغشيان ، وعن الخلاء بالغائط ، وهو المكان الذي تقضى فيه الحوائج ، وكذلك جميع ما لا يستحسن ذكره مصرّحا فإنما ذكره بالكناية ، وههنا ذكر السّوأة في العورة ، قيل : السّوأة والعورة هما كناية [ عن الدّبر ، لم يذكره مصرّحا ، فهما ]{[8180]} كناية .

والثاني : في ذكر تخصيص السّوأة ؛ وذلك أن قصد الشيطان إنما كان إلى إبداء عورتيهما{[8181]} لا غير . ألا ترى أن ذلك لم يجعل لغير البشر عورة تستر ؟ ولذلك خصّ الستر بالقبر ، إذا مات يقبر لأجل عورته ، ولا يقبر غيره من الدواب إذا هلك ، ولا يستر في حال حياته ، كان قصده إلى ذلك .

وقوله تعالى : { وطفقا يخصفان } قال أبو عوسجة : { وطفقا }أي أخذا ؛ تقول : طفقت أفعل كذلك ، أي أخذت والخصف الخياطة في النعل والخفّ ، وهو مستعار ههنا . وقال مجاهد : { يخصفان } أي يرقعان كهيئة الثوب ، وقيل : { يخصفان } يغطّيان .

ثم قوله تعالى : { وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } إما حياء أحدهما من الآخر وإما{[8182]} حياء من الله تعالى ، ولهذا نقول : إنه يكره للرجل في الخلوة أن يكشف عورته ، ويبديها . ويبديها . وعلى ذلك روي في الخبر أنه قال : ( فالله أحق أن يستحيى منه ) [ بنحوه البخاري : 278 ] وأما حياء أحدهما من الآخر فلما{[8183]} بدت لكل واحد منهما عورة صاحبه . ولهذا كره أبو حنيفة رضي الله عنه أن ينظر الرجل إلى فرج زوجته والمرأة إلى فرج زوجها ، أو لما وقع بصر كل واحد منهما على فرجه{[8184]} ، فذلك يكره أيضا أن ينظر المرء إلى فرجه .

ألا ترى أنه قال : { ليبدي لهما } [ الأعراف : 20 ] ولم يقل : ليبديهما ؟ فهذا يدل على أنه لا ينبغي أن ينظر إلى فرج زوجته ولا الزوجة إلى فرجه .

وقوله تعالى : { ونادهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة } الآية . يحتمل قوله تعالى : { ونادهما ربهما } وحيا أوحى إليهما على يدي ملك كقوله تعالى : { فنفخنا فيه من روحنا } [ التحريم : 12 ] أضاف إلى نفسه لما ينفخ فيه بأمره . فعلى ذلك هذا ، وإلهاما ألهمهما كقوله تعالى : { وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه } [ القصص : 7 ] وقوله تعالى : { إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى } { أن اقذفيه في التابوت } [ طه : 38و39 ] . [ وقوله تعالى ]{[8185]} : { وأوحى ربك إلى النحل } [ النحل : 68 ] ونحوه ، وإنما هو إلهام .


[8170]:في الأصل: الصبح.
[8171]:في الأصل: ودعاه.
[8172]:في الأصل: فإن.
[8173]:في الأصل: غيره.
[8174]:في الأصل: غيره.
[8175]:في الأصل: يبدي.
[8176]:في الأصل: الفروض.
[8177]:في الأصل: تخصيصه.
[8178]:في الأصل وم: وإلا المنة.
[8179]:في الأصل: غيره.
[8180]:في الأصل: لم يذكروا الدبر فهو.
[8181]:في الأصل: عورتهما.
[8182]:في الأصل وم: أو.
[8183]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[8184]:في الأصل: بصره.
[8185]:ساقطة من الأصل.