الآية 31 وقوله تعالى : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } يحتمل أن يكون الخطاب ، وإن خرّج مُخرج الأمر بأخذ الزينة واللباس فهو على النهي عن نزعها لأن الناس{[8266]} يكونون آخذين الزينة وساترين عوراتهم غير بادين لها . فإن كان كذلك فهو على النهي عن نزع لباسهم وإبداء عوراتهم ، وهو ما ذكر في بعض القصة : أن أهل الشرك كانوا إذا طافوا بالبيت نزعوا ثيابهم ، ويقولون : لا نطوف في ثيابنا التي أذنبنا فيها .
فإن كان التأويل [ ما ]{[8267]} قال ابن عباس وهؤلاء [ ففيه إضمار ]{[8268]} ، كأنه قال : خذوا زينتكم عند هذا المسجد كما تأخذون عند كل مسجد سواء . وإلا خرّج تأويل الآية على وجوه :
أحدها : يقول : صلّوا في كل مسجد ، ذكر هذا لمن لا يرى الصلاة إلا في مسجده على ما روي أن لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد .
والثاني : صلّوا بكل مسجد وبكل مكان كقوله عليه السلام ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) [ البخاري 335 ] .
والثالث : يجعل الزينة العبادة نفسها بقوله تعالى : { خذوا زينتكم } .
ويحتمل ما ذكره أهل التأويل [ كان أهل اليمن ]{[8269]} يستعيرون من أهل مكة ثيابا ، يطوفون فيها ، وإن لم يجدوا طافوا{[8270]} عراة مبدين عوراتهم ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، وقال : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } أي [ لا ]{[8271]} تنزعوا ثيابكم عن عوراتكم . فهو على النهي عن نزع الثياب وإبداء العورة .
وكذلك قوله تعالى : { وكلوا واشربوا } يخرّج على النهي عما حرّموا على أنفسهم من أنواع المنافع والنعم التي أحل الله لهم من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ومن نحو ما حرّموا من الزرع والطعام وكقوله تعالى : { وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرّمت ظهورها } الآية [ الأنعام : 138 ] .
خرّج قوله تعالى : { وكلوا واشربوا } على النهي عما حرّموا مّما أحل لهم لا على الأمر بالأكل والشرب ؛ لأن كل أحد يأكل ، ويشرب ، ولا يدع ذلك . فدل أنه خرّج على النهي لما حرّموا . كأنه قال : لا تحرّموا ، ولكن كلوا ، واشربوا ، وانتفعوا بها .
فإن كان على ابتداء الأمر بأخذ الزينة والتجمّل عند كل مسجد ، والمسجد هو مكان كل عبادة ونسك على ما يكون في غير ذلك من الأوقات يتزيّنون ، ويتجمّلون عند اجتماع الناس . فعلى ذلك يكونون في مكان العبادة والنّسك ، أو أن يكون كما في المسجد اجتماع الناس للعبادة{[8272]} ، فأمروا بستر عوراتهم في ذلك . ويكون قوله تعالى : { واشربوا ولا تسرفوا } أي كلوا ، واشربوا ، واحفظوا الحد في ذلك ، ولا تجاوزوا . وهو النهي عن الكثرة . وما ذكرنا أنه نهاهم عن التحريم{[8273]} وترك الانتفاع بها . وفي تحريم ما أحل الله وترك الانتفاع بها إسراف { إنه لا يحب المسرفين } لأنه لا يحب الإسراف .
وقد ذكرنا أن المفروض من الستر هو ما يستر به العورة . وأما غيره فإنما هو على دفع الأذى والتجمّل .
ألا ترى أنه قال : { ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما } [ الأعراف : 27 ] وقال : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم }[ الأعراف : 26 ] من علينا بما أنزل مما نستر به عوراتنا ، وإن كانت له المنّة في الكل . وذلك قبيح في الطبع أن ينظر أحد إلى عورة آخر . وعلى ذلك جاءت الآثار في الأمر بستر العورة : روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ، فقيل : يا رسول الله فإن كان بعضنا من بعض ؟ فقال : إن استطعت أن لا تظهر عورتك فافعل . فقيل فإذا كان أحدنا خاليا ؟ فقال : فالله أحق أن يستحيى منه ) [ بنحو البخاري : 278 ] وعنه صلى الله عليه وسلم [ أنه ]{[8274]} قال : ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ) [ ابن ماجه 661 ] ومثله كثير ، وفي ما ذكرنا كفاية .
وعلى ذلك يخرّج الأمر بالإقبار لستر العورة . ألا ترى أنه قال تعالى : { فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه } الآية [ المائدة : 31 ] لئلا يرى عورته ؟ لأنه يكون جفاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.