تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِيُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَيُبۡطِلَ ٱلۡبَٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (8)

وقوله تعالى : ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ) أي ليظهر الحق ويوجب يقال : حق كذا أي وجب . ويحتمل ليظهر حق الحق ، ويظهر الباطل ، أو أن يقال : قوله تعالى : ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ) ما ذكرنا : ليوجب[ في الأصل وم : يجب ] الحق ، ويذهب الباطل كقوله تعالى : ( وقل جاء الحق وزهق الباطل )[ الإسراء : 81 ] أي ذهب . فعلى ذلك هذا ؛ يجيء الحق ، ويجب ، ويذهب الباطل ( ولو كره المجرمون ) .

فإن قيل في قوله تعالى : ( كأنما يساقون إلى الموت )[ الأنفال : 6 ] وقوله تعالى : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم )[ الأنفال : 9 ] كيف خافوا كل هذا الخوف حتى وصفهم بشدة الخوف كأنما يساقون إلى [ الموت ][ من م ، ساقطة في الأصل ] وقد وعد لهم النصر والظفر بقوله تعالى : ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ) ؟ [ قيل : يمكن أن ][ في الأصل : وقد يمكن ، في م : وقد يمكن أن ] تصرف الآية إلى المنافقين ، وهو قوله تعالى : ( كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) .

غير أنه ذكر في بعض القصة أنه لم يكن ببدر منافق ، بل كانوا كلهم مؤمنين حتى افتخر بذلك من شهد بدرا ، وإن كان في المؤمنين فهو ما ذكرنا لقلة عددهم أولئك وعدتهم ؛ كانوا كما وصف ، والله أعلم .

لكن الآية تحتمل وجوها .

أحدها : أمكن أن يكون الوعد لهم بالنصر بيِّن لرسوله ، ولم يبين لهم .

[ والثاني ][ ساقطة من الأصل وم ] : فألقى في قلوبهم الرعب والخوف لما لم يبين لهم الوقت متى يكون ذلك ؟ ألا ترى أنهم أمروا بالخروج ، ولا يدرون إلى ماذا يؤمرون ؟

والثالث : يجوز أيضا ان بين لهم الوعد بالنصر ، وبلغهم ذلك غير أنهم خافوا ذلك ، وكرهوا خوف طبع وكراهة النفس لا كراهة الاختيار . وجائز الخوف في مثل هذا وكراهة الطبع ، وإن كانوا على يقين بالنصر والظفر وتحقيق ذلك لهم .

والرابع : يجوز أن يكون الوعد لهم بالنصر والظفر بالتضرع إليه والاستعانة به على ما يكون في الدعوات يكون شقاوة بعض ودخوله النار بمعاصي يرتكبها ، وسعادة آخر ودخوله الجنة بخيرات يأتي بها ، فيصير من أهلها .

والخامس : جائز أن يكون ذلك من الله تعالى لهم محنة ، يمتحنهم بها كقوله تعالى : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) الآية [ البقرة : 155 ] يحتمل معنى الآية الوجوه التي ذكرنا ، والله أعلم .