تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (1)

قوله تعالى : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) اختلف فيه ؛ قال بعضهم : الأنفال هي المغانم التي يغنما المسلمون من أهل الحرب ، وقال بعضهم : الأنفال هي الفضول عن حقوق أصحاب المغانم .

فالسؤال يحتمل وجهين :

يحتمل أنهم سألوا عن حلها وحرمتها ؛ لأن الغنائم لا تحل في الابتداء . قيل : إنهم كانوا يغنمونها ، ويجمعونها[ في الأصل وم : ويجمعون ] ، فتجيء[ في الأصل وم : فجاءت ] نار ، فتحرقها . سألوا عن حلها وحرمتها ، فقال : ( الأنفال لله والرسول ) أي الحكم فيها لله يجعلها لمن يشاء .

ويحتمل السؤال عنها عن قسمتها ؛ وهو ما روي في بعض القصة أن الناس كانوا يوم بدر ثلاثة أثلاث : ثلثا [ في الأصل وم : ثلث ] في نحو العدو وثلثا [ في الأصل وم : ثلث ] خلفهم ردءا لهم وثلثا[ في الأصل وم : ثلث ] مع رسول الله يحرسونه . فلما فتح الله عليهم اختلفوا في الغنائم ، فقال الذين كانوا في نحر العدو : نحن أحق بالغنائم ، نحن ولينا القتال . وقال الذين كانوا ردءا لهم : لستم بأولى منا ، وكنا لكم ردءا . وقال الذين أقاموا مع رسول الله : لستم بأحق بها منها ؛ كنا نحن حرسا لرسول الله فتنازعوا فيها إلى رسول الله .

ونزل [ قوله تعالى ] [ ساقطة من الأصل م ] ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ] وقال أبو أمامة الباهلي : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال ، قال : فينا نزلت معشر أصحاب بدر حين اختلفنا [ في النَّقْل ][ ساقطة من الأصل وم ] وساءت فيه أخلاقنا ، فانتزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسوله ، فقسمه على السواء[ في الأصل وم : السؤال ] . ومجاهد وعكرمة قالا : كانت الأنفال لله والرسول ، فنسخها [ قوله تعالى ][ ساقطة م الأصل وم ] : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول )[ الأنفال : 41 ] .

وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : الأنفال المغانم ؛ كانت لرسول الله خالصة ليس لأحد فيها شيء ؛ ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به ، فمن حسن منه إبة أو سلكا فهو غلول ، فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها ، فقال ( قل الأنفال لله والرسول ) ليس لكم فيها شيء .

ويحتمل أن تكون الأنفال هي فضول المغانم على [ ما ][ ساقطة من الأصل وم ] قال بعضهم نحو ما روي في الأخبار أن منهم من أخذ كبة ، فقال : اجعلها لي يا رسول الله ، وأخذ الآخر سيفا ، وقال : اجعلها لي ، ونحو ذلك فكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، فقال : ( قل الأنفال لله والرسول ) .

ويحتمل أن يكون سؤالهم عن التنفيل أن ينفلهم الرسول ما وقع في أيديهم ، أو بعد ما انهزم الكفار ، وأدبر العدوز وإنما يجوز للإمام التنفيل في حال إقبال الحرب ؛ وكذلك روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : النفل ما لم يلتق الزحفان أو الصفان ، فإذا التقيا فهو مغنم .

عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : نزلت في أربع آيات . . . والثانية : أني كنت أخذت سيفا أعجبني ، فقلت : يا رسول الله هب لي هذا ، فنزلت ( يسألونك عن الأنفال[ في الأصل وم : وروي عن مصعب بن سعد قال : نزلت في أرٍبع آيات ][ الدر المنثور ج4/4 ] .

وروي عن مصعب بن سعد [ عن أبيه سعد بن مالك أنه قال : «أصبت يوم بدر ][ في الأصل وم : يرى أنه يوم بدر أصبت ] سيفا ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت نفلنيه ، فقال : ضعه من حيث أخذته ، فنزلت هذه الآية : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله ورسوله ) ثم قال سعد : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اذهب ، فخذ سيفك »[ الدر المنثور ج4/4 ] .

فدل حديث سعد أن النبي لم ينفل قبل الحرب أحدا شيئا منه مما لا يأخذه [ في الحرب ][ ساقطة من الأصل وم ] لأنه لو كان نفلهم لم يمنع سعدا رضي الله عنه السيف الذي جاء به .

ويدل على أن النبي لم يأمر في الغنيمة بشيء حتى نزلت آية النفل ، فرد الله الأمر في الغنيمة إلى رسوله ، فأطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رد [ إليه ][ ساقطة في الأصل وم ] الأمر .

ويجوز أن يكون النبي [ صلى الله عليه وسلم ][ في الأصل : صلى ، ساقطة من م ] لم ينقل أحدا قبل الحرب شيئا ، ولكنه كان ينقل مما يؤتى به من يشاء ممن قتل بغير إيجاب متقدم . يبين ذلك قول سعد : أجعل كمن لا علم له ؟ وحديث عبادة ؛ يخبر أن النبي نقل ما يأخذون من أهل الحرب قبل أن يأخذوه . وهذا موضع الاختلاف بين الحديثين .

والظاهر من ذلك أن الفعل هذا كان وقع في الغنائم ؛ لأن الله قد سماها أنفالا قبل أن يحلها . فلولا أن النبي كان نفَّلهم إياها قبل الحرب أو بعدها لم يسم الله أنفالا ، والله أعلم .

وفي حديث عبادة أن قوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ )[ الأنفال : 41 ] ذكره بعد ذكر النفل ، وأنه حكم الناسخ الثابت . وكذلك قول عباس يدل على ذلك ، وقد أجمع أهل العلم على ما ذكره عبادة في آخر حديثه ، فقالوا جميعا : إن الغنيمة يخرج خمسها للأصناف الذين ذكرهم الله إلا ما اختلفوا فيه من سهم ذي القربى ، ثم تقسم أربعة [ في الأصل وم : الأربع ] الأخماس بين أهل القسمة . وجعلوا للإمام أن ينفل السَّلَبَ وغيره ، فيقول : من قتل قتيلا فله سلبه ، يحرض بذلك [ على ][ ساقطة من الأصل وم ] المقاتلة ، وينفل السرية ، يخرج من العسكر شيئا بعد الخمس .

ومما أجمعوا عليه من قسمة الغنيمة أخماسا نزول القرآن ؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة في الأصل وم ] قال : «إن الغنيمة لم تحل لأحد قبلنا ، وقد أحلت لنا »[ مسلم1747 ] .

وروي عن أبي هريرة [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم ، كانت نار تنزل من السماء فتأكلها »[ الترمذي3085 ] فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم ، فأنزل الله تعالى : ( لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا )[ الأنفال : 68و69 ] ونحو ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عن الأنفال ) يحتمل وجوها .

أحدها : ( يسألونك ) عمن له الأنفال ، فقال : ( قل الأنفال لله ) .

والثاني : ( يسألونك عن الأنفال ) على إسقاط ( عن ) وقد كانوا يسألونك الأنفال والمغانم .

والثالث : يسأل كل عن النفل [ في الأصل وم : نفل له ] الذي جعل له ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فاتقوا الله وأصلحوا ) قال أهل التأويل : ( فاتقوا الله ) في أخذ الأموال ، ولكن في الأنفال وفي غيرها ( فاتقوا ) معصية الله ومخالفته في أمره ونهيه ( وأصلحوا ذات بينكم ) أمر بإصلاح ذات البين لما ذكر من عظيم منته ونعمه التي أنعم عليهم بقوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )[ آل عمران : 103 ] أخبر أنهم كانوا أعداء ، فألف بين قلوبهم [ في الأصل وم : نفل له ] وذلك من عظيم نعمه عليهم .

فأمر ههنا بإصلاح ذات البين ليكونوا على النعمة التي أنعمها عليهم مجتمعين غير متفرقين .

وقوله تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ) أي أطيعوا الله في أمره ونهيه ، ورسوله في آدابه وسننه ( إن كنتم مؤمنين ) أو أطيعوا الله في ما دعاكم إليه ، ورغبكم فيه ، وسوله في ما بين لكم ( إن كنتم مؤمنين ) يعني مصدقين .