قوله تعالى : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) اختلف فيه ؛ قال بعضهم : الأنفال هي المغانم التي يغنما المسلمون من أهل الحرب ، وقال بعضهم : الأنفال هي الفضول عن حقوق أصحاب المغانم .
يحتمل أنهم سألوا عن حلها وحرمتها ؛ لأن الغنائم لا تحل في الابتداء . قيل : إنهم كانوا يغنمونها ، ويجمعونها[ في الأصل وم : ويجمعون ] ، فتجيء[ في الأصل وم : فجاءت ] نار ، فتحرقها . سألوا عن حلها وحرمتها ، فقال : ( الأنفال لله والرسول ) أي الحكم فيها لله يجعلها لمن يشاء .
ويحتمل السؤال عنها عن قسمتها ؛ وهو ما روي في بعض القصة أن الناس كانوا يوم بدر ثلاثة أثلاث : ثلثا [ في الأصل وم : ثلث ] في نحو العدو وثلثا [ في الأصل وم : ثلث ] خلفهم ردءا لهم وثلثا[ في الأصل وم : ثلث ] مع رسول الله يحرسونه . فلما فتح الله عليهم اختلفوا في الغنائم ، فقال الذين كانوا في نحر العدو : نحن أحق بالغنائم ، نحن ولينا القتال . وقال الذين كانوا ردءا لهم : لستم بأولى منا ، وكنا لكم ردءا . وقال الذين أقاموا مع رسول الله : لستم بأحق بها منها ؛ كنا نحن حرسا لرسول الله فتنازعوا فيها إلى رسول الله .
ونزل [ قوله تعالى ] [ ساقطة من الأصل م ] ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ] وقال أبو أمامة الباهلي : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال ، قال : فينا نزلت معشر أصحاب بدر حين اختلفنا [ في النَّقْل ][ ساقطة من الأصل وم ] وساءت فيه أخلاقنا ، فانتزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسوله ، فقسمه على السواء[ في الأصل وم : السؤال ] . ومجاهد وعكرمة قالا : كانت الأنفال لله والرسول ، فنسخها [ قوله تعالى ][ ساقطة م الأصل وم ] : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول )[ الأنفال : 41 ] .
وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : الأنفال المغانم ؛ كانت لرسول الله خالصة ليس لأحد فيها شيء ؛ ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به ، فمن حسن منه إبة أو سلكا فهو غلول ، فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها ، فقال ( قل الأنفال لله والرسول ) ليس لكم فيها شيء .
ويحتمل أن تكون الأنفال هي فضول المغانم على [ ما ][ ساقطة من الأصل وم ] قال بعضهم نحو ما روي في الأخبار أن منهم من أخذ كبة ، فقال : اجعلها لي يا رسول الله ، وأخذ الآخر سيفا ، وقال : اجعلها لي ، ونحو ذلك فكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، فقال : ( قل الأنفال لله والرسول ) .
ويحتمل أن يكون سؤالهم عن التنفيل أن ينفلهم الرسول ما وقع في أيديهم ، أو بعد ما انهزم الكفار ، وأدبر العدوز وإنما يجوز للإمام التنفيل في حال إقبال الحرب ؛ وكذلك روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : النفل ما لم يلتق الزحفان أو الصفان ، فإذا التقيا فهو مغنم .
عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : نزلت في أربع آيات . . . والثانية : أني كنت أخذت سيفا أعجبني ، فقلت : يا رسول الله هب لي هذا ، فنزلت ( يسألونك عن الأنفال[ في الأصل وم : وروي عن مصعب بن سعد قال : نزلت في أرٍبع آيات ][ الدر المنثور ج4/4 ] .
وروي عن مصعب بن سعد [ عن أبيه سعد بن مالك أنه قال : «أصبت يوم بدر ][ في الأصل وم : يرى أنه يوم بدر أصبت ] سيفا ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت نفلنيه ، فقال : ضعه من حيث أخذته ، فنزلت هذه الآية : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله ورسوله ) ثم قال سعد : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اذهب ، فخذ سيفك »[ الدر المنثور ج4/4 ] .
فدل حديث سعد أن النبي لم ينفل قبل الحرب أحدا شيئا منه مما لا يأخذه [ في الحرب ][ ساقطة من الأصل وم ] لأنه لو كان نفلهم لم يمنع سعدا رضي الله عنه السيف الذي جاء به .
ويدل على أن النبي لم يأمر في الغنيمة بشيء حتى نزلت آية النفل ، فرد الله الأمر في الغنيمة إلى رسوله ، فأطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رد [ إليه ][ ساقطة في الأصل وم ] الأمر .
ويجوز أن يكون النبي [ صلى الله عليه وسلم ][ في الأصل : صلى ، ساقطة من م ] لم ينقل أحدا قبل الحرب شيئا ، ولكنه كان ينقل مما يؤتى به من يشاء ممن قتل بغير إيجاب متقدم . يبين ذلك قول سعد : أجعل كمن لا علم له ؟ وحديث عبادة ؛ يخبر أن النبي نقل ما يأخذون من أهل الحرب قبل أن يأخذوه . وهذا موضع الاختلاف بين الحديثين .
والظاهر من ذلك أن الفعل هذا كان وقع في الغنائم ؛ لأن الله قد سماها أنفالا قبل أن يحلها . فلولا أن النبي كان نفَّلهم إياها قبل الحرب أو بعدها لم يسم الله أنفالا ، والله أعلم .
وفي حديث عبادة أن قوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ )[ الأنفال : 41 ] ذكره بعد ذكر النفل ، وأنه حكم الناسخ الثابت . وكذلك قول عباس يدل على ذلك ، وقد أجمع أهل العلم على ما ذكره عبادة في آخر حديثه ، فقالوا جميعا : إن الغنيمة يخرج خمسها للأصناف الذين ذكرهم الله إلا ما اختلفوا فيه من سهم ذي القربى ، ثم تقسم أربعة [ في الأصل وم : الأربع ] الأخماس بين أهل القسمة . وجعلوا للإمام أن ينفل السَّلَبَ وغيره ، فيقول : من قتل قتيلا فله سلبه ، يحرض بذلك [ على ][ ساقطة من الأصل وم ] المقاتلة ، وينفل السرية ، يخرج من العسكر شيئا بعد الخمس .
ومما أجمعوا عليه من قسمة الغنيمة أخماسا نزول القرآن ؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة في الأصل وم ] قال : «إن الغنيمة لم تحل لأحد قبلنا ، وقد أحلت لنا »[ مسلم1747 ] .
وروي عن أبي هريرة [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم ، كانت نار تنزل من السماء فتأكلها »[ الترمذي3085 ] فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم ، فأنزل الله تعالى : ( لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا )[ الأنفال : 68و69 ] ونحو ذلك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عن الأنفال ) يحتمل وجوها .
أحدها : ( يسألونك ) عمن له الأنفال ، فقال : ( قل الأنفال لله ) .
والثاني : ( يسألونك عن الأنفال ) على إسقاط ( عن ) وقد كانوا يسألونك الأنفال والمغانم .
والثالث : يسأل كل عن النفل [ في الأصل وم : نفل له ] الذي جعل له ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( فاتقوا الله وأصلحوا ) قال أهل التأويل : ( فاتقوا الله ) في أخذ الأموال ، ولكن في الأنفال وفي غيرها ( فاتقوا ) معصية الله ومخالفته في أمره ونهيه ( وأصلحوا ذات بينكم ) أمر بإصلاح ذات البين لما ذكر من عظيم منته ونعمه التي أنعم عليهم بقوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )[ آل عمران : 103 ] أخبر أنهم كانوا أعداء ، فألف بين قلوبهم [ في الأصل وم : نفل له ] وذلك من عظيم نعمه عليهم .
فأمر ههنا بإصلاح ذات البين ليكونوا على النعمة التي أنعمها عليهم مجتمعين غير متفرقين .
وقوله تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ) أي أطيعوا الله في أمره ونهيه ، ورسوله في آدابه وسننه ( إن كنتم مؤمنين ) أو أطيعوا الله في ما دعاكم إليه ، ورغبكم فيه ، وسوله في ما بين لكم ( إن كنتم مؤمنين ) يعني مصدقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.